اعلان

أجساد رخيصة.. العالم الخفي في أسواق تجارة "الأعضاء البشرية".. "ربيع" شاب باع جزء من جسده في غرفة عمليات حكومية.. وسودانية هرب زوجها في القاهرة وهرب فباعت كليتها

فى أحد شوارع المدينة الكاحلة، يافطة صغيرة مصلوبة بإحدي أعمدة الإنارة، مكتوب عليها «لشراء كلية أرجو الاتصال على الرقم.....؟»، كان الأمر وصل بنا إلى حد القشعريرة، التى أصابتنا بذهول، قررنا خوض تلك التجربة التى لا نعلم إلى أين ستأخذنا.. البداية كانت فى أحد شوارع القاهرة الخديوية، وفى ممر جانبي يجلس أمامي مجموعة من السودانييين المهاجرين للمحروسة على مقهي متوسط الحال، وعلى اليسار رجل مرتكز على إحدي الكراسي الخشبية، يدندن بترنيمة وبصوت عذب، وبعد لحظات دخل رجل طويل القامة، شاربه يأخذ النصف الأخر من وجهه، قال بصوت عال:«الشاي يا عم محسن»، وجلس ينظر فى المحيطين إلا أنه ذهب بكرسيه مجاوراً السودانيين، وبدأ فى الحديث معهم بكل أريحيه، لكن الأمر هنا تتطور إلى أن أحدهم وقف منزعجاً وتركهم وذهب فى طريقه لأخر الممر، انزعج أخر وبدأ الأمر يأخذ شكل «الخناقة»، تدخل بعض الجالسين لفض الاشتباك، إلا أن «عم محسن»، طردهم جميعاً، ذهبنا وراء الأخر، لما سمعته من أحاديث عن بيع أحد الأعضاء البشرية «الكلي»، تحدثت معه وهو على يقين اننى أتبع ذلك الرجل، فهمت الأمر على انه «سمسار» لبيع الأعضاء البشرية، وزبائنه من السوادنيين المهاجرين لمصر، ومن هنا أتت فكرة التحقيق الماثل أمامكم .

ــ «نجيب» هاجر من السودان إلى أم الدنيا حالما بالثراء فباع أعضاءه وألقاه السماسرة بجراحه في الشارع

فى نهار أحد الأيام، كشرت الشمس عن أنيابها، الكل يجلس فى بيته، الشوارع خالية، وعلى مرمي البصر، «توك توك» يضع إحدي الصور لمطرب سوداني شهير، يخرج برأسه، مقدماً لمساعدتي، طلبنا منه أن يصلنا بـ«نجيب» اسم مستعار، وعلى إحدي النغمات السودانية، يرقص الطفل الصغير سائق التوكتوك يميناً ويساراً، فى الشوارع المحيطة بنا، يطل كل ما هو سودانياً، الناس فى زيها المزكرش الملون، الجالسين أمام المنازل، رائحة البخور العطن، وصلنا إلى المنزل فى سبع دقائق، قابلنا الـ«نجيب» فى ترحاب وابتسامة بيضاء نقية تنم عن طيبة القلب الذى يمتاز به أهل الجنوب، جلسنا أمام المنزل، فى هواءها الساخن، ظناً منه أن المكان بالداخل لا يليق، شربنا الشاي وبعدها بدأت بمحادثته.

فى السطر السابق، كان النجيب يستعد لبدء الحديث عن رحلته إلى مصر، شاب أسمر بسيط الفكر والزاهد بأحاديثه، كان يحلم أن يصل إلى «أم الدنيا»، ظناً منه أن الحياة قد توقفت فى بلده، ولا يعلم أن الحياة ستتوقف عندما يخطو إلى المحروسة، فى أحد ليالي إبريل العام الماضي، كان «النجيب» يجلس أمام منزله فى قرية «دنقلا»، مر عليه أحد اصدقاءه وطرح عليه أن يذهب معه فى رحلة إلى القاهرة، عن طريق الممر الشمالي من الصحراء، بدأت فى مخيلة الشاب السيط تراوده أحلامه الذي كان يحاول تحقيقها، وافق على الفور، وجهز العدة، وبعد يومين، وصل إلى القاهرة، فى ترحاب جلل، أول خطواته كانت فى تلك المدينة البعيدة فى صحراء أكتوبر، مع بعض الشباب السوداني، فى أول ايامه انبهر "النجيب" بالقاهرة وجمالها، عندما ذهب إلى وسط البلد، لكنه لا يعلم انها كانت البداية فى تكسير أحلامه، هناك عرض عليه الأمر لبيع أحد اعضاءه "الكلي"، فى البداية كان رافضاً للأمر، ولكن كانت خطوات الشيطان تغزو فى قلبه وعقله، وأيضاً وساوس أصدقاء السوء منهم، حاول التأثير عليه، من خلال "الخمرة" او بمعني أدق "العرقي"، وافق على الأمر، وبعد عدة أيام، كان في إحدي مستشفيات القاهرة، يقم بإجراء العملية، بمقابل مادي زهيد، وترك فى شوارع أكتوبر بألامه، توقفت الحياة بالنسبة له، يحاول مراراً أن يأخذ حقه قانونياً، لكنه لا يريد أن يخاطر بالأمر لأن وجوده في القاهرة غير قانوني، يحلم بالعودة إلى وطنه بعد أن ضاقت به كل السبل والطرق فى كسب العيش.

ـــ سودانية جلبها زوجها للقاهرة وهرب فباعت كليتها وسرق اللصوص المال

فى أحد المنازل البسيطة فى معالمها، جلست سيدة فى العقد الثلاثين من العمر، وعلى يدها إحدي الصغيرات، يظهر من المشهد، الهدوم المهللة لطفلتين صغيريتين يقفان أمام البوابة المؤدية إلى المساحة الكبيرة من البيت، فى نظراتهم الذل والفقر المدقع، المنزل خالي من أي اثاث منزلي، الشمس تدخل من الشباك المجاور لتزعج أنين بصيرتهم، تتكأ السيدة برأسها على الحائط المجاور وتبدأ حديثها، «زوجي سوداني قررنا أن نأتي إلى القاهرة، لمعيشة أفضل، إلا انه انجرف وراء المخدرات وأختفى منذ اكتر من إحدي عشر شهر، تاركاً أطفاله البكر، دون مأكل أو ملبس، حاولت مراراً ان أعمل كمنظفة فى أحد البيوت، إلا أن الأمر كان مستحيلاً، فأنا لا اعرف أحداً هنا كي اترك اولادي معه، كنت أتركهم نائمين طوال اليوم، وأذهب للعمل، وكنت فى حالة من الرعب والفزع طوال الوقت».

وأضافت «أم البنات»: لن أحكي لك عن تلك الأيام المزعجة، كنت ارجع للبيت، وأنا فى حالة إذلال، لأرى صغيراتي وهم يبكين من الجوع، تركت العمل، لكن لا أعلم من أين أتي بالأكل والملبس وإيجار المنزل، وفى أحد الايام،كان باب الشقة يدق، وبعد أن فتحت رأيت أحد الشباب السوداني، يحاول المساعدة، فى البدء كنت خائفة إلا أن ما باليد حيلة، وبعد تكرار الزيارة، عرض علي أمر، اقشعر له بدني، قال لي علي ان أبذل جهداً اكثر من ذلك، وطلب أن أبيع "كليتي" بمقابل مادي كبير، وأن ارجع بهم إلى السودان، وافقت على الفور».

وتابعت «بدأت فى اتخاذ الإجراءات عن طريق أحد السماسرة الذى زارني فى منزلي، ومضيت على تعهد كامل وبإرادتي على بيع "كليتي"، ومن ثم دفع لي نصف المبلغ وهو 15 ألف جنيه مصري، وقال النصف الأخر بعد إجراء العملية، وبدأت فى عمل التحاليل اللازمة، وفي أحد أيام الغبرة بالنسبة لي، قمت إجراء العملية تاركة أولادي لمصير مجهول، فلا أعلم هل ستنتهي حياتي أم سيمر الوضع بسلام، بالفعل قمت بإجراء العملية، وكنت قد عاهدت نفسي بأنني سأذهب إلى السودان مباشرة بعد هذا الأمر، إلا انني بعد ان وصلت البيت، لم أجد المال الذي كان بحوزتي، فقد سرق، ولم أصل إلى بقية المبلغ الأخر المتفق عليه، ولا أعلم ماذا أفعل».

اختتمت الأم السودانية حديثها والآسى واليأس يسيطران على نبرة صوتها « ترهقني الأعمال الشاقة والمجهود الزائد، حتي العمل لا اقدر عليه، طردت من شقتي، بأولادي الثلاث فى الشارع، وتسولت لقمة العيش، لكن إحدي الجمعيات السودانية، قامت بتكفلي انا وأولادي وحالياً فى طور رجوعي لأهلي بالسودان، فاقدة كل احاسيس ومعاني الحياة بمجملها».

ـــ مأساة صابر.. سرقة «كلية» شاب سوداني والثمن 4 آلاف جنيه

الأسم «صابر» والصفة أيضاً، شاب فى أواخر العشرينيات، من منطقة "كسلا" بالسودان، لم يكمل تعليمه، وهرب من ويلات الحرب بين الجنوب والشمال، مستقراً فى القاهرة، يعمل «شيال» فى شوارع القاهرة التجارية، كان يعيش مع بعض أصدقاءه فى شقة بالقرب من منطقة مصر الجديدة، استيقظ فى أحد الأيام ليجد أن «كليته» غير موجودة، وبجواره أربع الاف جنيهاً من المال، لم يفهم الأمر فى البدء، كيف حدث ذلك، كأنه وسط مشهد سينمائي فى أفلام الخيال العلمي.

قبل تلك الليلة، كان صابر جالساً هو واصدقاءه على حسب ما يتذكره، يضحكون ويلهون ويشربون ويتغنون بنغمات سودانية عن الغربة وقساوتها، لكنه اتكأ برأسه على زميله المجاور له، وراح فى نوم عميق، واستيقظ على تلك الأمر مندهشاً، حاول الوصول لأحد اصدقاءه ممن كانوا يجلسون معه، فهم الأمر انهم وضعه له المنوم داخل أحد المشروبات، وعلي إثرها تمت العملية دون موافقته، وعن الموقف القانوني، قال الشاب إنه خاف على حياته فقرر الاستسلام للوضع، ليس لديه أي فرص انتقامية، ويحاول جاهداً أن يخرج أيضاً مهاجراً إلى إحدى الدول فى الجهة الغربية.

ـــ المواطن مصري.. ربيع ترك عمله و«استثمر» في جسده بالدولار والسجائر

قصة أخرى بطلها مواطن مصرى، من محافظة أسوان، يدعى «ربيع» اسم مستعار، قام ببيع «كليته» إلى مريض أجنبي الجنسية، بعد أن تعرف على أحد السماسرة من خلال صديقه السوداني، قام ببيع «كليته» بالفعل فى مارس 2012، قال: «كنت فى حالي، وأعمل فى أحد العمارات كحارس أمن، بمنطقة الزمالك، وتعرفت على شاب سوداني، كان المال فى حوزته طول الوقت، فسألته عن ذلك، فعرض علي الأمر ببيع كليتي بمقابل مادي كبير، ونظرًا للظروف المادية الصعبة، بدأت بعمل التحاليل للتعرف على فصيلة الدم، وساعدني فى دفع المبلغ، ذلك الشاب السوداني، أبلغته بنتائج التحاليل، فطلب منى زيارة أحد السماسرة ، ذهبنا فى الموعد المحدد، كان فى انتظارنا "السمسار" على أحد المقاهي، عرض علي مبلغ "4 الأف دولار" برغم انني أعلم أن المبلغ كان أكثر من ذلك، إلا انني وقتها وافقت جلست فى شقة خاصة بهم فى منطقة امبابة لمدة 20 يوماً، وطوال تلك المدة كنا نجرى التحاليل بإستمرار».

وأضاف الشاب «تكفلوا بجميع مصاريفي من سجائر وأكل وشرب، حتي موعد العملية، وبالفعل نجحت العملية، وأخذت مستحقاتي كاملة، إلا انني فى أشد الندم على ذلك».

ــ حارة صوفي.. كونجرس السودانيين

بالقرب من الميدان المطل على الساحة الكبيرة لميدان الأوبرا القديمة، يجلس السودانيين فى محيط التمثال الشهير، فى ونسة وضحك، أمام التمثال تقع بداية الممر المؤدي لحارة صوفي، المقهي العتيق، تهب من داخله رائحة «البخور» السوداني، على إحدي جانبات الحارة الضيقة، يقع مطعم "الخرطوم" ليقدم أشهي المأكولات السودانية، فى اليسار، تجلس سيدة تبيع «الويكة والملوخية»، أمامهم القهوة التى تعتليها الوجوه السمراء، فى اريحية يجلس مجموعة من السودانيين مرحبين بكل الزائرين، لكن «خفي الأمر» على بعد امتار يجلس سماسرة التجارة البشرية، فالمعهود فى كل شعوب العالم أن الخير موجود والشر أيضاً، فى نفس المكان الذى يخرج منه، روح الطمأنينة، يجاورهم شياطين الأنس، محاولين اقناع بعض الشباب السوداني، بالاتجار في أجسادهم، قانطين على انفسهم، فى أيديهم أشياء تلمع ساعات من أشهر الماركات، وسلاسل ذهبية، كي يقومون بإغراء البعض بالثراء المصطنع، يحاول الكثير منهم إقناع الشباب، يستغلون الحاجة ويستغلون وجودهم الغير شرعي.

أحد هولاء الشباب قال إن استغلالهم بالنصب لكل من هو غير شرعي، أما من لديه أوراق، فيدفعون لهم كامل مستحقاتهم، خوفاً من القانون، إذا الأمر تعدي خطورة المرحلة والإقناع، واصبح فى طور التنفيذ وتشوه الفطرة السليمة، فكيف يمشون على الأرض هوناً، وسلاماً واطمئناناً، ربما ستأتي الضربة من شاب قد نصبوا له الفخ، وربما أيضاً تتحرك الأجهزة فى مواجهة الأمر، وربما يأتي من الله المصير المحتوم، ويخسف بهم الأرض .

ـــ ربيع.. قصة شاب باع قطعة من جسده داخل غرفة عمليات حكومية

خلال البحث والتقصي، وسماع أقوال وقصص ممن قاموا بهذه العمليات، كان فى مخيلتي سؤال، أين كانت العملية تقام بهذه السهولة؟، البدء كان الأمر بمثابة مستشفيات ومراكز وعيادات خاصة، يقوم بها أحد الأطباء معدومي الضمير، من خلال وسيط بأجر ونسبة من المشتري، إلا أن الأمر تغير بعد الحملات الأمنية ضد كل هؤلاء الشياطين، وصل الأمر إلى أن تقام بعض تلك العمليات فى المستشفيات العامة على حد قول اصحاب تلك القصص، ففى أحد الاحياء الراقية تقع تلك المستشفي على مرأى ومسمع من الجميع، وفى طريق مليء بالحركة والتفاعل، دخل "ربيع" على رجله وخرج منها منقولا فى إحدي السيارات المجهزة.

استفاق «ربيع» الشاب وقال في صوته شيء من ندم إن العملية تقام بشكل طبيعي دون مسائلة، كان خائفا فى بداية الأمر من أن يكون كميناً، لكنه تحمل المخاطرة، لكنه لم يكن مطمئنا من القائمين على العملية، وتسائل «هل يدركون انني متبرع أم إنني أبيع قطعة من جسدي؟.

القانون

يضع القانون المصري قيوداً كبيرة على عملية التبرع أو تبادل وزراعة الأعضاء، وينظمها وفق قانون "تنظيم زراعة الأعضاء البشرية" الصادر عام 2010، الذي يمنع التبرع إلا بين الأقارب من المصريين أو بموافقة لجنة خاصة من وزارة الصحة، وبشرط أن يكون التبرع ضرورة ليس هناك سواها، ويحظر زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة أو الخلايا التناسلية بما يؤدي إلى اختلاط الأنساب، ويجرم القانون حصول المتبرع على أي مقابل أو أجر أو مكافأة، ويمنع المصريين من التبرع للأجانب إلا في حالة الزوج أو الزوجة الأجنبية.

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً