اعلان

في ذكرى 11 سبتمبر.. "أهل مصر" تحصل على شهادات المصريين.. "شعراوي": أم ألقت رضيعها لتنجو من الموت.. و"الجمسي": مكثنا أياما دون طعام خوفا من الخروج

صورة ارشيفية
كتب : سها صلاح

تمر اليوم الثلاثاء الذكرى الـ17 لهجوم 11 سبتمبر الدامي، والذى شهد انهيار برجين وسط حي منهاتن بالولايات المتحدة الأمريكية، فى مركز التجارة العالمي فى نيويورك نتيجة هجوم إرهابى استهدف البرجي، ومبني البنتاجون، وأسفر الهجوم عن مقتل 6 آلاف شخص، وقد تجاوز الهجوم حادثة عام 1941 على بيرل هاربور، والتي أودت بحياة 2403 من الأمريكيين.

بعض المشاهد التي رأيناها لتحطم البرجين كانت عبر شاشات التلفزيون، والعالم لم يعيش في تلك المآساة على حق سوى عبر الأخبار المتلقاة من وسائل الإعلام والكثير نسى حتى الأمريكان المتواجدون داخل الولايات المتحدة بعضهم نسى الحادث المآساوي 11 سبتمبر ويتذكرونه فقط في ذكراه التي تحل اليوم، لكن الناجون العرب وخاصة المصريون الذين رأوا ويلات الهجوم ومن بعدها تداعياته على حياتهم الشخصية والظام الذي تعرضون لهم مازالوا يتذكرون تفاصيله الكاملة بكل حزن وآسى، واستطاعت "أهل مصر" التوصل إلى اثنين من المصريين الذين "نجوا من موت محتم في 11 سبتمبر" ليعودون معنا بالذاكرة لعام 2001 ليروون لنا ماذا حدث بالفعل وكيف تم معاملة العرب بعد الهجوم الدامي.

"باهر شعراوي" موظف الضرائب في البرج الجنوبي

"المصري صاحب الحظ" الناجي من ١١ سبتمبر" كما يطلق عليه أصدقائه المقربون، السبعيني الذي هاجر إلى أمريكا عام 1969 كأي شاب كان يحلم حينها بالدراسة في الخارج، من مواليد محافظة الجيزة ويعشق الإسكندرية، عندما حصل على الثانوية العامة أراد والده أن يكون طبيبًا فأرسل أوراقه للنمسا واستراليا والبرازيل، ودول أخرى كان منها أبو الزبير التي وصفها محدثنا "في 1969 كانت مصر متفوقة على دول الخليج اللي كانوا بيفرشوا على الأرض"، وكان كل ذلك رغبات والده لاستكمال دراسته هناك، لكن "باهر"كان له طموح آخر فحصل على بكالوريوس تجارة ثم ماجستير اقتصاد وكان من هواة القراءة في الجامعة الأمريكية فأحب السفر إلى أمريكا وبالفعل سافر وحصل على ماجستير آخر وهو إدارة الأعمال mba، ودرس محاسبة أيضًا وكان يعمل في نفس الوقت بوظائف تخص مجاله في نيويورك، حيث كانت تلك الوظائف هي من تتكفل بمصاريف تعليمه، وكان أول عمل له في شركة حاسب آلي، ثم تقلد منصب مدير عام الضرائب الأمريكية في البرج الجنوبي الذي تم قصفه.

ويعود "باهر" بالذاكرة ١٧ عامًا، ليقول: في هذا اليوم المشؤوم غادرت منزلي مثل كل صباح متوجهاً إلى عملي الذي يقع بالطابق الـ86، في الناطحة الجنوبية في البرج الثاني الذي تم قصفه، وشاء القدر أن أتحرك من أمام المصعد قبل أن يتحرك ،كان طابور المصعد في هذا اليوم مزدحما بشكل كبير فلم استطع الصعود لطابق عملي الذي كان رقم 86 فذهبت لأخذ دور في مصعد آخر حينها سمعنا صوت انفجار في البرج الشمالي بجانبنا، وفي دقائق فصلتني عن الموت أخرجنا رجال الأمن وكنا جميعا نشعر بالذعر من المبني، وفي لحظة خروجي جاءت الطائرة الثانية لأرى أمام عيني البرج الذي كنت اعمل به ينهار في دقائق وقفا مشدوها من هول المشهد، ورأيت أشخاص يكبرون اشلاءا من نوافذ المبني والأوراق والأجهزة تتساقط علينا من كل جانب".

واذا بساحبة دخان اسود تغطي المجمع بأكمله، اناس يصرخون في ذعر يطلبون المساعدة، ويهربون من الموت، حتى أنني وجد أم تضع تسقط رضيعها من يدها و تهرول هرباً من الموت، وأخر وقف بسيارته مشدوهاً أمام هول المشهد حتى وقع فوق سيارته حديداً منصهراً من الانفجار وامرأة تصرخ في قوات الأمن والإطفاء لينقذوا ابنتها المعلقة في نافذة في إحدى طوابق برج التجارة العالمي الشمالي الذي تم قصفه أولاً، ومثلي مثل الآخريين وقفت مذهولاً لدقائق لم أستطع التحرك من مكاني اشاهد الفاجعة بأكملها رغم أن رائحة الدخان كادت أن تودي بحياتنا.

وأضاف "باهر" عندما افقت من ذهولي بعد أيام حاولت أستيعاب ماحدث، واسترجاع مشاهده، وسألت نفسي ماذا كان مصيري إذا قدر الله أن يغلق المصعد وأنا بداخله،لأصعد مع زملائي الـ40 الذين لقوا حتفهم داخل مكاتبهم بعد أن سربت معلومات بأن بضرب البرجين لكن قوات الأمن قالوا أن البرج الشمالي فقط هو ماتم قصفه وأن البرج الجنوبي الذي تم استهدافه ثانياً في 11 سبتمبر لن يطاله مكروه وابقوا الموظفين في مكاتبهم واغلقوا عليهم أبواب المكاتب حتى لا تحدث فوضى، ولكن قوات الأمن اشتركت في قتل زملائي واصداقئي فلم يعطوهم الفرصة بالفرار من الموت.

وبعد عدة أيام وجدت الباب يطرق علي أنا وابنائي امها كانت الشطرة قد بدأت تحقيقاتها مع كل من عملوا داخل البرجين أو في المباني المجاورة من العرب والمصريين والمسلمين فقط، كانت التحقيقات مهينة بشكل كبير وفصل الكثير من أشغالهم وتم إدانتهم وحجزهم لأيام ثم الإفراج عنهم وإدانتهم مرة أخرى، ومنعت أنا واولادي من السفر لفترة حتى تنتهي التحقيقات التي استمرت لسنوات، وعملنا كمواطنين من الدرجة العاشرة وليست الثانية، حتى أن المطاعم بعد أحداث 11 سبتمبر كانت تغلق ابوابها أحياناً في وجه العرب والمسلمين، وكنا في حالة يرثى لها لمدة 5 سنوات.

وكشف المواطن المصري باهر شعراوي عن أحداث 11 سبتمبر الذي عرض جزءاً منها أيضاً في كتابه "المحروسة في ذاكرة مهاجر" والتي خص بها موقع "أهل مصر"، عن دور وسائل الاعلام الامريكي في هجوم 11 سبتمبر "فحدث ولاحرج"، فقد ساهمت بشكل غير مسبوق في إثارة مشاعر الكراهية ضد العرب والمسلمين، ليعطوا الفرصة لوصف الإسلام بالإرهاب، أما الإعلام العربي للأسف كان غائباً، وإن وجد كان تأثيره ضعيف جداً أمام تلك الأزمة، وقد وصل الأمر أن الامريكان المتعصبين كانوا يقومون بالوشاية عن العرب الموجودين و اتهامهم بالتطرف و ابلاغ الشرطة عنهم بدون سند بهدف تصفية حسابات شخصية، وكانوا بذلك يضللون سلطات الأمن الأمريكية إلى من فتئت تعتقل أشخاصاً ليس لهم ذنباً في شئ لمجرد وجود وشاية من حاقد أو رسالة من متعصب.

وتساءل "باهر شعراوي" تُرى ما كان مصير العرب الذين قُبض عليهم؟، يجيب على السؤال المفتش العام بوزارة العدل الأمريكية حين فاين في تقريره الذي كشف لنا عنه محدثنا، فعدد من المعتقلين الذين تم القبض عليهم عقب الحادث كانوا 762 معتقلاً، و الكثير منهم انتظر أكثر من شهر قبل توجيه اي اتهام له، كما أن البعض الآخر مكث في الحجز اسابيع دون اجراء تحقيقاتـ أما عن أوضاعهم في مركز الاعتقال الرئيسي في مدينة نيويورك الذي احتُجز فيه 84 شخصاً تحت ظروف قاسية كحبسهم 23 ساعة يومياً، وإهانتهم جسدياً ولفظياً رغم ان كان منهم المهندس والطبيب والمحاسب، ورغم ذلك كانوا مقيدين بسلاسل ثقيلة وبأغلال في أيديهم وأرجلهم،وتم منعهم حتى من الحث في إجراء مكالمة هاتفية واحدة، كل اسبوع.

وعقب هجوم 11 سبتمبر بدأت الإدارة الأمريكية بإدارة بوش تعبئة الشعب الأمريكي لتمهيد حرب العراق وصورت لهم أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين شخص يريد الإضرار بالأمن القومي الأمريكي وأنه يريد شراء اليوارنيوم لتفجيرات جدية في امريكا، وأن دخول العراق سيكشف عن أسلحة دمار شامل، كذلك هناك إشارة بين صدام حسين والقاعدة وأنه هو من اتفق معهم على هجوم 11 سبتمبر، لكن بعض الساسة الأمريكان المقربين مني ، والحديث هنا لمحدثنا "باهر شعراوي" كشفوا أن أمريكا متورطة في الحادث الإرهابي لتكون طريقة لدخول العراق والسيطرة على مقاليد الشرق الأوسط.

المصري حاتم الجمسي العامل في بروكلين

مواليد المنوفية من مركز اويسنا، كان مدرساً للغة الإنجليزية في مدرسة اعدادية، وهو خريج كلية التربية جامعة المنوفية، هاجر لأمريكا بغرض الدراسة في 1999، حيث عمل مدرس لغة عربية وخاصة مصرية لتعليمها للامريكان وتردد بين الكثير من الإعمال حتى وصل لعمله في كصاحب مطعم شهير بجانب عمله في مجال الميديا حيث انه صحفي معتمد لدى الأمم المتحدة والخارجية الأمريكية، ليصادفه الحظ السئ ليكون على بعد أميال من هجوم 11 سبتمبر الإرهابي،حيث كان في مبني مجاور للمباني المقصوفة، وقال "حاتم" في تصريحات خاصة لأهل مصر" أنه مان في وقت عمله وعندما تم قصف البرج الشمالي هروا جميعاً للخارج ليروا الطائرة الأولى وهي تشق المبني، ثم دخلوا مسرعين إلى أماكن عملهم ليغلقوا الأجهزة ويفروا ففوجئ بأحد زملائه الأمريكان بلهجته العربية الضعيفة يقول له "هبيبي في طيارة تانية قصفت البرج الجنوبي ربنا يستر عليكوا" في إشارة إلى العرب والمسلمين.

وقال الكارثة بدأت عندما انهار البرجين ولم يتوقع احد انهيارهم، وكان الأمر صعب للغاية فقد اغلقت حينها كل الكباري وكان هناك موظفين يعملون في نيويورك كانوا يريدون العودة لمنازلهم في مانهتن، فاضطروا أن يمشوا مسافة طويلة لتوقف المواصلات والهواتف وكل شئ في تلك الساعات العصيبة

كانت اياما عصيبة تلك التي عاشها العرب و المسلمون هنا في الولايات المتحدة عموما وفي مدينة نيويورك على وجه الخصوص في اعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الارهابية في 2001. 

واستطرد قائلاً: تجنب عدد كبير منا الخروج أو الذهاب إلى عمله خوفاً من أعمال عدائية وانتقامية من جانب بعض الأمريكيين الغاضبين الذين ربما يحاولون الحاق الأذى والضرر بالمسلمين هنابعد هجوم 11 سبتمبر المؤلم، والتزم عدد كبير من المسلمين والعرب بما فيهم غير المسلمين بيوتهم و أماكن إقامتهم خصوصا الذين لم يكن لديهم اوراق اقامة قانونية. 

بعض الأسر لم یکن لديهم ما یکفی من المواد الغذائية و كانوا في خوف من الخروج للتسوق، يجلسون اياماً دون طعام، ونشر الأمريكان المتعصبين شائعات لترهيب جيرانهم العرب والمسليمن أنه ربما تقوم الحكومة بإقامة معسكرات اعتقال للعرب والمسلمين على غرار تلك التي أقامتها الأمريكيين من أصول يابانية اثناء الحرب العالمية الثانية. 

وشوهدت العديد من الملصقات على زجاج بعض السيارات وواجهات بعض المحلات من عينة : "أوقفوا إرهاب العرب" و "لا يوجد عرب = لا يوجد إرهاب"،و "اسامة بن لادن : مطلوب حياً أو ميتا"، والعبارة الشهيرة التي اصبحت عنواناً للمرحلة وظلت تستخدم لسنوات طويلة وهي عبارة: "لن ننسى أبدا.. و أبداً لن نغفر." 

واضاف عن أحداث 11 سبتمبر "أذكر صديقًا مسيحيًا مصرياً اتصل بي بعد الهجمات الإرهابية بأیام ليقول لي إن صاحب العمل طلب منه البقاء في البيت عدة أيام حتى تهدأ الأمور، كما أذكر جيدًا كيف سمعت من إحدى المسلمات التي ترتدي الحجاب كيف ان أحد الأشخاص قد بصق عليها اثناء انتظارها لركوب الحافلة وصرخ في وجهها قائلا: "لماذا لا تعودين إلى بلدك ايتها الإرهابية؟" وکیف كان يمازحني بعض زملاء العمل قائلين: "نرجوك أن تخبرنا بموعد ومكان التفجير القادم عندما يخبرك أبناء عمك حتى نتجنب المكان."،كانت مزحة سمجة ثقيلة على النفس ولم أكن احب سماعها وغير ذلك الكثير من المضايقات التي تعرضنا لها هنا في نيويورك.

وقال في آسى قد وصل الامر زروته بعد أقل من عام من هجمات 11 سبتمبر حينما طلبت ادارة الأمن الوطني تم انشاؤها حديثا مواطني 25 دولة ذات أغلبية مسلمة الذين يقيمون بالولايات المتحدة ولا يحملوا الجنسية الأمريكية بأن يتوجهوا إلى المراكز الفدرالية التي تم تحديدها للتسجيل الخاص و الاستجواب الطوعي حتى إن كان هؤلاء المسلمين والعرب يحملون تأشيرات إقامة سليمة وقانونية. 

وذهبت للاستجواب رغم إقامتي القانونية في ذلك الوقت وقضت ساعات طويلة اجيب بنعم أو لا على عشرات الأسئلة من عينة : "هل سافرت إلى افغانستان من قبل؟ هل تعرف أحد من الارهابين الذين هاجموا أمریکا؟ هل أنت عضو في منظمة إرهابية؟ هل تدربت على استخدام السلاح؟ هل تاجرت بالمخدرات؟" ثم بعد فترة قصيرة يتم اعادة نفس الأسئلة بصيغة مختلفة قليلاً عن سابقتها. 

وتشير الوثائق الفيدرالية بأنه قد تم تسجيل أكثر من 83 ألف في أقل من عام ولم يتم إدانة أو توجيه اتهام لاحد منهم بأى عمل إرهابي ولكن تم الشروع في ترحيل أكثر من 13 ألف مهاجر لأسباب أخرى ليس من بينها اي علاقة بالارهاب، و رغم هذا فإن الصعوبة الحقيقة التي واجهتنا كعرب و کمسلمین هنا كانت کیف نشرح لأصدقائنا في العمل وجيراننا في المسكن اننا لا علاقة لنا بما حدث و کیف نشرح لهم اسباب ما حدث؟ 

كان يبدوا أنه لزاماً علينا ان نقدم لهم تفسيرات و تبريرات لتلك الجرائم الارهابية المروعة التي آلمتنا كما المتهم ولم یکن لدى أحد منا إجابة شافية أو تبرير مقنع كما أن عبارة: "هؤلاء ارهایین ولا ينتمون للإسلام" قد فقدت مغزاها وأصبحت عبارة جوفاء لا تقدم إجابة شافية على السؤال الذي طرح علينا كثيراً و هو : لماذا؟

لسنوات طويلة أصبحنا كعرب و مسلمین في نيويورك وعموم الولايات المتحدة نضع أيدينا على قلوبنا عند وقوع أى عمل اجرامی و ندعوا الله ألا يكون الفاعل عربياً أو مسلما، أذكر جيداً مشارکتی في التظاهرات أمام مبنى الهجرة الفيدرالى فی مانهاتن في نيويورك و کیف کنت أصيح: "نحن مهاجرین ولسنا إرهابيين" و کیف كنا نحاول إدخال البيتزا والماء لمن تم احتجازهم داخل المبنى وأنه رغم الفاجعة كان هناك عدد كبير من الشعب الأمريكي متعاطفاً معنا وأن عدد من منظمات المجتمع المدنى كان يعرض المساعدة والتوعية القانونية مجاناً.

تمر السنوات و تبقى ذکری 11 سبتمبر فرصة لبعض أنصار اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وخارجها لتجديد اتهام المسلمين بالارهاب والتطرف و استهداف الدين الإسلامي بالاساءة والتشويه. 

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً