اعلان

رمضان في ألمانيا.. هنا الإفطار الجماعي داخل الكنائس.. ورؤية الهلال مشكلة سنوية

رمضان في ألمانيا

أَلمانيا دولة تقع في وسط غرب أوروبا، تتكون من 16 ولاية تغطي مساحة 357 ألف و21 كيلومتر مربع، وتعدّ الدولة الأوروبية الأكثر سكانا بأكثر من 82 مليون نسمة، كما تعد من أقوى دول الاتحاد الأوروبي وأوسعها نفوذا.

رمضان في ألمانيا

تبلغ نسبة المسلمين في ألمانيا قرابة خمسة ملايين نسمة، وهم من جنسيات مختلفة، عربية وآسيوية، لكن الأتراك يشكلون النسبة الأكبر والأغلب بين المسلمين في هذا البلد الأوربي، ويتمتع المسلمون في تلك الديار بهامش من الحرية لا بأس به، حيث يسمح لهم القانون الألماني بممارسة واجباتهم الدينية، والتعبير عن معتقداتهم وأفكارهم.

اقرأ أيضاً: رمضان في اليونان.. المساجد تحولت إلى متاحف.. وأداء الشعائر الرمضانية في سرية وقلق

رمضان في ألمانيا

رؤية الهلال

تستقبل الجاليات الإسلامية شهر رمضان - كباقي المسلمين في العالم - بالحفاوة والترقب والانتظار؛ ومن العبارات المتداولة عادة بين الجاليات الإسلامية هناك عند قدوم هذا الشهر الكريم، قولهم: "عيد مبارك"، "كل عام وأنتم بخير"، ويعتمد المسلمون في ألمانيا على خبر وسائل الإعلام في ثبوت هلال رمضان، إذ قلما يخرج أحد من المسلمين هناك لالتماس رؤية الهلال، والأعجب من ذلك أن كثيرًا من الجاليات الإسلامية هناك تعتمد في بدء صيامها والانتهاء منه، رؤية البلد الذي تنتمي إليه، أو المراكز الإسلامية التي تتبع لها، ولا تكترث بما وراء ذلك، الأمر الذي يكرس الفرقة والاختلاف بين المسلمين المقيمين في ألمانيا.

رمضان في ألمانيا

لحظات عصيبة يرافقها القلق

ما يجعل لحظات استقبال رمضان في ألمانيا عادة عصيبة يرافقها القلق، حتى في محيط مدينة صغيرة تختلف المساجد في استقبال هذا الزائر فتجد أحدها قد بدأ الاستقبال بتكبيرات التراويح والآخر أطفأ أنواره معلناً أن رمضان يزورهم في اليوم التالي، وأما الأطفال الصغار الذين اجتهدوا في تحضير هدايا صغيرة لرمضان قد رسموها بأناملهم وعلقوها مفاجأة له على أبواب غرفهم وساهموا مع أهاليهم في تزيين البيت بالأضواء المبهجة والفوانيس والتي تضيء معها قلوبهم الصغيرة يتساءلون بحزن: ألسنا جميعنا مسلمين فلماذا لا نستقبل رمضان معاً في ذات الليلة؟

رمضان في ألمانيا

هذا السؤال الذي يكاد يكون سنوياً حيث يقف الأهالي فيه عاجزين عن إجابة أطفالهم ويكتفون بالدعاء في قلوبهم بأن يجتمع المسلمون في الرأي في استقبال العيد وألا تنطفئ بهجته في قلوب أطفالهم.

اقرأ أيضاً: مسلمو سلوفينيا في رمضان.. الحرمة والمشويات أهم ما يميز إفطارهم.. وسنة الاعتكاف مهجورة

رمضان في ألمانيا

لا اختلاف يطرأ على وتيرة الحياة

ولا تطرأ على حياة المسلمين المقيمين في هذا البلد تغيرات تذكر خلال شهر الخير، نظرًا لطبيعة الدولة التي يقيمون فيها، فوتيرة الحياة اليومية تستمر على حالها، ويمارس المسلمون أعمالهم بشكل اعتيادي، وكل ما يختلف عليهم هو وقت تناول الطعام فحسب، ويحافظ المسلمون المقيمون في ألمانيا على سنة السحور، إذ هو بمثابة وجبة الفطور عندهم، ويتناولون على السحور عادة البيض واللبنة والجبن، وبعض المشروبات التي تساعدهم على ممارسة عملهم اليومي.

رمضان في ألمانيا

إحياء ذكرى البلد الأصلي

وجبات الإفطار في رمضان ليس فيها ما يميزها عن غيرها من وجبات الغداء في الأيام المعتادة، لكن يضاف إليها شراب اللبن وبعض أنواع العصير والمرطبات، كما وتحرص كل جالية من الجاليات الإسلامية هناك على صنع ما اعتادته من الطعام في بلادها، إحياء لذكرى تلك البلاد، وتذكيرًا بالأهل والأحباب، يضاف إلى ما تقدم صنع بعض أنواع الحلوى التي يرغب الناس في تناولها في أيام الصيام، كـ "القطايف" و"الكنافة" ونحوهما من أنواع الحلوى التي تعرفها وتشتهر بها بلاد المسلمين.

اقرأ أيضاً: رمضان في فرنسا.. جمعية "الشوربة للجميع" في خدمة الصائمين.. وازدحام المساجد بالمصلين وتقاسم الفرحة مع غير المسلمين

رمضان في ألمانيا

إفطار جماعي

ويُعد الإفطار الجماعي بين الجاليات الإسلامية في بلاد الغربة ملمحًا بارزًا خلال هذا الشهر الكريم، إذ يحرص المسلمون هناك في هذه المناسبة على الالتقاء والتعارف لتوطيد العلاقات الأخوية بينهم، واستماع بعضهم لهموم بعض ومشاكله، ومواساة قويهم لضعيفهم.

رمضان في ألمانيا

نشاطات خاصة بالأطفال

ففي محيط العديد من المساجد والمراكز الإسلامية تلمس وجهاً جميلاً آخر من معالم رمضان، حيث تكثر النشاطات المختصة بشهر رمضان، فـ بجانب الإفطارات الجماعية وصلاة التراويح وقيام ليالي العشر الأواخر، هناك أيضاً نشاطات مميزة وموجهة للأطفال، ولا بد هنا من الإشادة بأهمية العمل النسائي في تنظيم هذه النشاطات والتي من شأنها خلق أجواء بهجة يجتمع فيها الكثيرون على شعيرة الصيام، ويتم التفنن في طرق تعريف الأطفال بمعنى الصيام وأهميته باللغة الألمانية وتوجيه الأطفال إلى طرق الإجابة عن الأسئلة التي تطرح عليهم في المدارس الألمانية، وكذلك تنظم لها إفطارات خاصة تدعى بإفطار العصافير ويتم فيها الاحتفال بصيام الأطفال لعدد قليل من الساعات في خطوة تشجيعية على الصيام وتوزع عليهم الهدايا وكذلك تنظم لهم بعض المسابقات الرمضانية الثقافية ومسابقات حفظ بعض من أجزاء القرآن الكريم وتعقد لهم احتفالات إبداعية مميزة.

رمضان في ألمانيا

إفطار لغير المسلمين

ومن الجدير بالذكر كذلك أن هناك العديد من المراكز والجمعيات الأهلية تنشط كذلك في تنظيم إفطار رمضاني جماعي يتم فيه دعوة العديد من الشخصيات الألمانية المهمة في المنطقة يرافقها برنامج جميل للتعريف بشهر رمضان من خلال عرض لوحات تراثية أو استضافة شخصيات دينية مرموقة وكذلك يتم وضعهم في أجواء فرحة إفطار الصائمين، ومثل هذه المبادرات تلقى ترحيباً واسعاً وتربط جسور محبة بين الجميع، في إشارة إلى أننا قد نختلف في الأديان، ولكن تجمعنا معاني السلام والمحبة.

رمضان في ألمانيا

انزعاج غير المسلمين

ومع ذلك، هناك الكثير من غير المسلمين الذين لا يأبهون كثيرًا بصيام المسلمين، بل ربما لا يدركون معنى الصيام ومكانته عند المسلمين، بل ربما قد يبدي كبار السن منهم شيئًا من الانزعاج والتبرم بما يقوم به المسلمون في هذا الشهر الفضيل.

إفطار جماعي بالكنائس

وفي السنوات الأخيرة شهدنا العديد من الإفطارات الجماعية والتي يتم تنظيمها داخل الكنائس والمراكز المسيحية، في لفتة اجتماعية مهمة للتلاحم والمحبة بين الأديان المختلفة في المجتمع الواحد، والتشديد على ضرورة احترام حرية المعتقدات في ألمانيا، ويشارك فيها شخصيات دينية من الطرفين من خلال كلمات الترحيب التي يؤكدون فيها على أهمية هذه المبادرات وضرورة التعاون بينهم، ليعم السلام على الجميع، ويتم كذلك داخل الكنيسة رفع أذان المغرب في إشارة إلى دخول وقت الإفطار للصائمين.

مساعدات لدول تعاني من الحروب

ولابد من الإشارة هنا أيضاً إلى الحملات الخيرية الكثيرة التي تعقد في هذا الشهر الفضيل، إما من خلال مساعدات مالية أو عينية تجمع وترسل إلى الدول التي تعاني حروباً ومجاعات، أو تكون كذلك على مستوى العمل الفردي، فهناك الكثير من المسلمين يتسابقون في عقد إفطار جماعي في مركز إسلامي أومسجد فيطبخ فيها ما لذ وطاب للصائمين من المغتربين الشباب أو الطلاب أو اللاجئين، فيصنعون لهم أجواء عائلية مليئة بالبهجة والسعادة رغم ألم الاغتراب.

أجواء الشارع والعمل

ولكن من الملاحظ أن الأجواء الرمضانية هذه لا تخرج خارج نطاق المساجد والمراكز الإسلامية والبيوت، فعندما تمشي في شوارع ألمانيا لا شيء يدل على مرور رمضان من هنا، فالجميع من حولك يأكل ويشرب أو يدخن، وكذلك في محيط العمل لابد أن تتحلى بالصبر وطولة البال حتى تعيد قصة الصيام في أول أيام رمضان عشرات المرات، لكل من يسألك لماذا تصوم وماذا يعني رمضان؟ وعليك أيضا أن تكون قوي القلب لمقاومة نظرات الشفقة، لأنك تحرم نفسك مع سبق الإصرار من شرب الماء، وخصوصاً إذا جاء رمضان في أيام الصيف الحارقة، ولذلك يجتهد البعض لاستحضار نقاش علمي ممنهج عن فوائد الصيام وأهميته من ناحية روحانية وجسدية.

هدايا رمزية

ويجتهد الكثير من المسلمين على اختلاف الثقافات في تحضير هدايا رمزية صغيرة تحمل معالم تراث البلد، فقد تكون تمرات أو بعض أنواع الحلويات ملفوفة بشكل جميل مع إهداء جميل بمناسبة رمضان، ويتم توزيعها إما على زملاء العمل أو على الأصدقاء والجيران الألمان في لفتة جميلة تحمل معنى التراحم والمحبة الذي يتصف به ديننا الإسلامي، وتأكيداً على قول رسولنا الحبيب «تهادوا تحابوا»، وكذلك هو إشهار جميل بأننا نستقبل ضيفاً مميزاً ولنا في هذا الشهر طقوس خاصة بنا.

معالم رمضان أصبحت جلية أكثر

وفي السنوات الأخيرة تحديداً ومع زيادة أعداد المسلمين في ألمانيا بسبب الهجرة السورية، أصبحت معالم شهر رمضان تظهر أكثر ولم تبق فقط محصورة ضمن المنزل الواحد، حتى إن بعض القنوات الألمانية خصصت مساحة تحدثت فيها باقتضاب عن معنى شهر رمضان والصيام والذي يلقى ترحيباً واسعاً من المسلمين هناك؛ نظرا لهذا الاهتمام الإعلامي وإثبات أهمية وجودهم كمجتمع له معتقداته كأي مجتمع آخر يعيش في ألمانيا.

التراويح 20 ركعة

ويؤدي المسلمون في ألمانيا صلاة التراويح جماعة في المراكز الإسلامية المتواجدة في المدن الكبرى من ألمانيا، أو في مساجد الأتراك المنتشرة في العديد من المدن والقرى الألمانية، وهم في العادة يصلونها عشرين ركعة، ولا تتقيد تلك المراكز والمساجد بختم القرآن في صلاة التراويح خلال الشهر الكريم، إذ قلما يختم القرآن في صلاة التراويح، وربما كان مرد ذلك إلى الطبيعة العملية لتلك البلاد؛ وربما - وهذا قليل - أقيم درس ديني، أو ألقيت كلمة وعظ خلال صلاة التراويح، كما أننا قلما نجد حضور النساء في تلك الصلاة، إذ تصلي النساء غالبًا في بيوتهن، ولا يخرج إلا القليل منهن للصلاة في المسجد.

شباب تملكته مغريات عارضة

والشباب المسلم في تلك الديار تائه بين الحفاظ على هويتهم وأصالتهم والتمسك بأحكام دينهم، وبين مغريات الحياة الغربية ومفاتنها ومباهجها، وهم بين هذا وذاك يعيشون صراعًا مريرًا، وجهادًا كبيرًا، لكنهم في العموم يقيمون حرمةً ووزنًا لهذا الشهر الفضيل، فهم يلتزمون بصيامه، ويحرصون على قيامه، ولا يمنع ذلك وجود بعض الشباب الذي فتنته مباهج تلك الحضارة، فلم يعُد يقيم وزنًا لدين، ولم يعد يأبه بشيء يمت إلى الدين بصلة، وليس من العسير عليك أن تجد بعضًا من هؤلاء الشباب وهو يدخن سيجارته أو يأكل أو يشرب على مرأى من الناس، بل ربما كان من المألوف والمعروف أن تجد بعضًا من أولئك الشباب الضائع وقد اصطحب صديقته، وربما عشيقته، وذهبا معًا ليُمضيا يومًا من أيام الشهر الفضيل، أو ليحيا ليلة من لياليه المباركة في مكان ما بعيدًا عن أعين الناس، والعجيب في هذا الأمر، أن بعض المسلمين هناك لم يعد يكترث كثيرًا لمظاهر الإخلال التي قد تصدر عن بعض الشباب المسلم في هذا الشهر، بل أصبح الأمر بالنسبة إليهم - نتيجة طبيعة العيش في تلك البلاد - أمرًا طبيعيًا، لا شأن لهم به لا من قريب ولا من بعيد.

ليالي رمضان كأيامه

ولا تختلف ليالي رمضان عند مسلمي ألمانيا عن أيامه، وهي في الأغلب كباقي ليالي السنة، وذلك نظرًا لطبيعة هذه الدولة من جانب، ونظرًا لقلة المساجد والمراكز الإسلامية من جانب آخر، ناهيك عن توزع وتفرق المسلمين في أراضي هذا البلد الواسع والشاسع، لكن على العموم، لا يسهر المسلمون هناك بعد أداء صلاة التراويح إلا أحيانًا، أو في أيام العطل والإجازات، أما ما عدا ذلك فهم يذهبون إلى نومهم باكرًا، ويستيقظون أيضًا باكرًا.

سنة الاعتكاف مهجورة

وسنة الاعتكاف في رمضان لا تكاد تجد هناك من يحافظ عليها أو يحرص على القيام بها؛ وربما كان مرد ذلك إلى قلة المساجد في تلك البلاد، أو كان مرده لطبيعة العمل في تلك البلاد، إذ ربما كانت الحياة العملية وتعقيداتها لا تسمح بالقيام بهذه السُّنَّة.

إحياء ليلة القدر

غير أن مسلمي ألمانيا يحتفلون أشد الاحتفال بليلة القدر، كغيرهم في بلاد العالم الإسلامي، وهم هناك يميلون كل الميل إلى الاعتقاد بأن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين من رمضان، لذلك نجدهم يجتمعون في المساجد بكثرة في تلك الليلة، ويؤدون صلاة التراويح جماعة، ثم يعكفون على تلاوة القرآن الكريم فرادى وجماعات، ويحيون ليلتهم تلك إلى أن يطلع عليهم فجر ذلك اليوم، ويأذن الله بميلاد يوم جديد، وهم على تلك الحالة.

زكاة الفطر

ومع اقتراب شهر رمضان من نهايته ومغادرته، يُخرج المسلمون صدقات أموالهم، وزكوات إفطارهم، وأحيانًا يقيمون بعض موائد الإفطار، يدعون إليها الفقراء والمساكين؛ عملاً بقوله تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا" "الإنسان:8" وتتولى عادة المراكز الإسلامية جمع تلك الزكوات، وتوزيعها على المستحقين لها، أو ربما صرفتها فيما فيه مصلحة للمسلمين المقيمين في تلك البلاد.

إفطار جماعي بعد صلاة العيد

ومن الأمور المعهودة والمتعارف عليها بين مسلمي ألمانيا، اجتماعهم في أول أيام عيد الفطر بعد أداء صلاة العيد، وتناول طعام الإفطار معًا، ثم الخروج في جماعات للتنزه والاستمتاع والالتقاء على حفلة غداء يكون اللحم والشواء فيها مادتها الأساس.

أخيراً، رمضان كيفما أتى وأينما حل يحمل معه الكثير من الجمال والروحانية، فبالرغم من أن المغترب يفتقد جداً لأشكال عديدة من جمال رمضان في وطنه الأصلي كأصوات المآذن ومدفع رمضان والمسحراتي واجتماع الأهل والأقارب والمحبين، إلا أنه يسعد به مغترباً مثله، ويحاكي أجواء بلاده ما استطاع لذلك سبيلاً.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً