اعلان

صحة المصريين في خطر.. الأطباء يهربون من ملاليم الحكومة لـ«جنة الخليج»

صورة أرشيفية

على الرغم من أن الدولة حاولت بطرق عديدة تقديم خدمات طبية مميزة للمرضى ممثلة في مبادرات صحية لمواجهة الأمراض، إلا أن أساس المنظومة الصحية «الطبيب» يعاني من مشكلات عديدة تجعله غير قادر على أداء عمله مما تسبب في نقص عدد الأطباء حتى خرجت الدولة بقرار جديد يتضمن بحث تخريج دفعات استثنائية لكليات الطب لسد العجز في المستشفيات.

قرار الحكومة وصفه الجميع بـ«الكارثة»، لذا قررت «أهل مصر» إلقاء نظرة أكثر عمقًا على المشكلات التي تتسبب في تقديم الأطباء استقالتهم وسفرهم لدول الخليج، لوجود تسهيلات كثيرة منها مقابل مادي مغري وتوفير الإمكانيات الطبية للتدريب والتعليم، فضلاً عن الهروب من الضغوطات النفسية، وتقديم الحلول الواجب تنفيذها لحل مشكلات القطاع الطبي في مصر.

الحكومة تواجه نقص الأطباء بكارثة «الدفعات الاستثنائية»: خراب على قطاع الصحة

«عبدالحميد»: إحنا مش في حرب.. ومرتباتنا أقل من «السودان والصومال»

الأطباء سيختفون من مصر قريبا بعد الهجرات الجماعية إلى الخليج

وجه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بدراسة تخريج دفعات استثنائية من خريجي كليات الطب، في ظل العجز الشديد في أعداد الأطباء، وكذا زيادة أعداد الطلاب المقبولين بكليات الطب، كما كلف بسرعة الاتفاق مع الجامعات الخاصة بشأن إتاحة المستشفيات الحكومية لها، وتدريب طلابها بهذه المستشفيات؛ وذلك للاستفادة من الإمكانات والبنية الأساسية التي تمتلكها وزارة الصحة، مع تيسير إنشاء كلية طب بهذه الجامعات، وتوفير مستشفى جامعي لها، طبقاً للاتفاقات التي ستتم مع وزارة الصحة.

كما كشف الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أنه يوجد تكليف من رئيس الجمهورية بالنظر في أعداد العاملين في القطاع الصحي، موضحًا أن أعداد الخريجين من كليات القطاع الطبي الحكومي والخاص خلال الفترة من 2014 حتى 2018، بلغ نحو 47 ألف خريج، إضافة إلى وجود 30 كلية طب في مصر، كما استعرض خطة التطوير في القطاع الطبي والتي تقوم على عدد من المحاور أهمها؛ التوسع في إنشاء كليات طب بشري جديدة حكومية أو خاصة أو أهلية، وضرورة العمل على أن يزيد عدد الطلاب الذين يتم قبولهم بكليات العلاج الطبيعي بالجامعات الحكومية والخاصة على الأقل لمدة 10 سنوات.

من جهته كشف الدكتور محمد عبد الحميد، أمين صندوق نقابة الأطباء، ورئيس قسم جراحة المسالك البولية بمستشفى التحرير العام بإمبابة، أن إقرار دفعات استثنائية في كليات الطب سيتسبب في كارثة، لأن دراسة الطب تلتزم بدراسة نظرية وعملية محددة بساعات وسنوات معينة وبالتالي لا يمكن تقليلها، مشيرًا إلى أن تخريج كليات استثنائية يمكن أن يتم بكليات الحربية في أوقات الحرب فيمكن تلخيص دراستهم في سنة وإعطائهم الأساسيات وإرسالهم على الجبهة أو مكان الحرب، كما حدث منذ زمن في السبعينيات ولكن الطب مختلف تمامًا، ولا يجوز فيه ذلك، ثانيًا في حالة إذا تم تخريج دفعات استثنائية مع فتح كليات طب خاصة، واستخدام المستشفيات الحكومية كمستشفيات جامعية لتدريب الطلاب وهو ما يعود على المنظومة الصحية بالخراب – حسب قوله.

اقرأ أيضًا.. البنك الدولي: مصر أصبحت رائدة في مجال الصحة

وتساءل «عبدالحميد» أنه إذا تم كل ذلك ماذا يضمن للدولة أن كل هؤلاء الطلاب سيظلون يعملون داخل الدولة ولن يسافروا إلى الخارج؟، مجيبًا أن عوامل الطرد ما زالت موجودة ولم تسعى الدولة لحلها وهي الأسباب الرئيسية في مشكلات القطاع الصحي، في مصر ومنها قلة المرتبات وبيئة العمل وانخفاض بدل العدوى، والاعتداء على الأطباء والمستشفيات، بالإضافة إلى عدم وجود قانون المسئولية الطبية.

وأشار «عبد الحميد» في تصريحات خاصة لـ«أهل مصر» إلى أن المهم هو أن تنظر الحكومة أولاً لأسباب قلة عدد الأطباء وهروبهم لدول الخليج وأن يتم حلها، مشيرًا إلى أن الدولة تحاول تصدير مشكلة المنظومة الصحية بالكامل للمجتمع وتلخيصها في العنصر البشري، أي «الأطباء» ولكنهم يمثلون جزء من كل ولا يشكلون المنظومة بالكامل.

وأضاف أن جميع التخصصات لدينا أصبحت تعاني من ندرة أو قلة بسبب سفر وهجرة الأطباء للخارج، مثل أطباء التخدير أو الرعاية مركزة أو الطوارئ وهناك محافظات كاملة لا توجد بها هذه التخصصات والذي يمثل كارثة، كما أن الأطباء الموجودين في مصر يقدمون استقالتهم من الحكومة للعمل في القطاع الخاص، ومن المتوقع ألا نجد أطباء في مصر خلال السنوات القليلة المقبلة خاصة أن عدد الأطباء الذين تقدموا باستقالاتهم خلال 3 سنوات نحو 6 آلاف طبيب، ففي 2016 تقدم 1044 طبيبا باستقالاتهم، و2549 في 2017، و2397 حتى نوفمبر 2018.

اقرأ أيضًا.. وزيرة الصحة: مبادرة "100 مليون صحة" جذبت أنظار العالم للاستثمار في مصر

ونوه أمين صندوق نقابة الأطباء، أن الطبيب حديث التخرج يحصل على راتب شهري يتراوح من 1500 – 2500 جنيه، ويزيد تدريجيًا زيادة غير ملموسة وبعد 20 عامًا يظل راتبه أقل من 4000 جنيه، حيث جسد الأمر على نفسه قائلًا: «أنا متخرج من 1997م أي منذ 22 عام وأنا أعمل كطبيب في مصر ولم يصل راتبي حتى الآن إلى 4000 جنيه وأنا أخصائي ورئيس قسم جراحة المسالك البولية وإذا تم مقارنة الرواتب بأي دولة أخرى ولا نذكر دول الخليج لأنها تُقدر عمل الطبيب وتعطي رواتب مغرية، ولكن لا يوجد حتى وجه مقارنة بالسودان والصومال، فرواتب الأطباء لدينا لا تمثل حتى ربع مرتبات الدول المتدنية».

أطباء يروون مأساتهم مع «7 سنوات دراسة»: مهددون بالسجن والمرتب 2500 جنيه

بدل العدوى 20 جنيها.. و«مش بنعرف نفتح عيادة»

«صلاح»: البعض يهرب للخارج بسبب المعاملة السيئة.. و«ميخائيل»: نغطي احتياجات الخليج من الأطباء

روى عدد من الأطباء مأساتهم مع دراسة الطب لمدة 7 سنوات والتي تكللت في النهاية براتب زهيد، فيقول الدكتور إسلام عوض، أخصائي جراحة عامة وجراحة أوعية دموية، إن المأساة تبدأ من سنوت الكلية حتى التخرج والحصول على الماجستير والدكتوراه على نفقته الخاصة بآلاف الجنيهات وفي النهاية يكون راتبه الشهري 2500 جنيه، وهو ما يحصل عليه الطبيب خلال ساعتين عمل بالخارج، بالإضافة إلى عدم وجود نظام تأمين محترم للأطباء يحميهم من مخاطر المهنة التي يتعرضوا لها يوميًا في كل لحظة من تعاملهم مع المرض، فلا توجد في مصر مستشفيات خاصة بعلاج الأطباء، والأغرب هو أن الحكومة قدرت بدل العدوى للأطباء بمبلغ زهيد من القرن الماضي لا يتعدى العشرون جنيهًا.

واشتكى أخصائي الجراحة العامة، من كثرة الضغوط النفسية والعصبية التي يتعرض لها الأطباء فضلاً عن أنه في حالة حدوث أي مشكلة مع الطبيب يجد نفسه وحيدًا فليس هناك نقابة أو وزارة تساند الأطباء، حيث تحدث إساءات ومضايقات من جانب الأهالي في حالة عدم توفير المستشفى للإمكانيات اللازمة لإسعاف المريض، فلا يواجه المدير أو الدولة هذه المشكلة ولكن يتحملها الطبيب بشكل مباشر، وبالتالي لا يمكن مقارنة العمل في مصر بالسفر إلى الخارج.

اقرأ أيضًا.. لمن يرغب في العمل الإداري.. "الصحة" توفر عددا من الوظائف

وأوضح الدكتور حسن السيد صلاح، دكتور جراحة عامة في مستشفى الشيخ زايد آل نهيان، أن العائد المادي في المستشفيات الحكومية ضعيف جدًا وغير مناسب للأطباء، مؤكدًا أن ظاهرة عزوف الأطباء عن العمل خطيرة وأن هناك كارثة حقيقية بسبب نقص الأطباء، خاصة في التخصصات الحرجة كالتخدير والطوارئ والجراحة وفي القريب العاجل سيحدث عجز طبي.

وأضاف «صلاح» لـ«أهل مصر» أن الطبيب غير قادر على فتح عيادة خاصة للحصول على دخل آخر غير العمل الحكومي، فضلاً عن أن الأطباء مهددين بالسجن أو الغرامة في حالة شكوى المرضى، فيُصبح الطبيب الذي يعالج المريض مُعرض للمسائلة القانونية التي تصل إلى السجن أو الغرامة فضلاً.

وأشار الدكتور موريد مكرم ميخائيل، استشاري الجراحة العامة ورئيس قسم الجراحة بمستشفيات وزارة الصحة بالقاهرة وزميل الكلية الملكية بلندن في حديثه لـ «أهل مصر» أن العائد المادي للطبيب غير مُجزي وبالتالي فمصر بلد طاردة للأطباء ودول الخليج جاذبة للأطباء المصريين، موضحًا أنه بالفعل سافر إلى سلطنة عمان للعمل بها لمدة 12 عاماً وعاد مرة أخرى لمصر منذ 6 سنوات، وذلك للدراسة والتعليم بشكل أفضل على يد استشاريين أجانب من أجل الحصول على شهادات علمية أعلى، كما أن عدد الخريجين كل عام في مصر قادر على تغطية احتياجات دول الخليج بالكامل، والأطباء التي تتمكن من السفر للدول الأوروبية وأمريكا واستراليا يستقرون ويحصلون على الجنسية ولا يعودون مرة أخرى.

بعد 25 سنة خدمة في المستشفيات.. «التوني» معاشه 1450 جنيها

عضو مجلس «الأطباء» يحكي عن «ربع قرن» بين المرضى: كنت بشتغل 24 ساعة دون دورة مياه

كشف الدكتور سمير على توني، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء، والأمين العام المساعد واستشاري الجراحة العامة، أن قرار الحكومة بتخريج دفعات استثنائية كان مسار أقوال وتعجب لدى الكثيرين لأنها مهنة خطيرة تتعامل مع الإنسان الذي لا يمكن تعويضه، فالمباني والسيارات والأشياء يمكن التجريب فيها وبالتالي يمكن تعويضها لأنها خسائر مادية ولكن أرواح البشر لا يمكن التجريب فيها لأن مهنة الطب لها خصوصياتها تحتاج دراسة دقيقة وتدريب شاق وتعليم مستمر ومتواصل ولا مجال لوجود دفعات استثنائية، ولابد أن يدرس الطبيب كل ما يخص علم الأمراض والأدوية والجسم البشري في ساعات وسنوات معينة.

وذكر «توني» في حديثه لـ«أهل مصر»، أن الحلول الأساسية للتغلب على مشكلة نقص الأطباء تكمن في تحسين ظروف العمل وما تشمله الجملة من رواتب متدنية، كما أن الطبيب عند تخرجه يحصل على حوالي 2000 جنيه راتب شهري، ويتم نقله بعيدًا عن محافظة المنشأ لمدة عامين كتكليف ومن ثم فترة النيابة أي «التخصص» في محافظة أخرى، وإذا سنحت الفرصة له بالتسجيل في جامعة معينة تكون بعيدة جدًا فيعيش طوال عمره مشتت ينتقل من مكان لآخر، فالبداية تكمن في أهمية أن تحل الدولة مشكلة استقرار الطبيب النفسي والبدني والسكني، فالمهم أن يكون الطبيب متواجد في محافظته مع أسرته وأولاده، فضلاً عن أهمية أن تطبق الدولة القانون رقم 14 الذي يُلزم أن تكون الدراسات العليا على نفقة جهة العمل، مشيرًا إلى أن الدراسات العليا لا تحمل استفادة للطبيب نفسه ولكنها تعود على صحة المريض.

اقرأ أيضًا.. استشاري الجهاز الهضمي والكبد: الأكياس البلاستيك ساعدت في انتشار السرطان داخل مصر

وأضاف «توني» أن أفضل استثمار على الإطلاق في أي دولة يكون في مجالي الصحة والتعليم، فالشخص المريض يكون غير منتج، بالإضافة إلى أنه يكلف الدولة صرف أدوية ومبالغ مالية على العمليات الجراحية، وغيرها من سبل تقديم الرعاية الصحية، فالاستثمار في الصحة والتعليم هو الدافع لازدهار الدولة.

ونوه عضو مجلس نقابة الأطباء، خلال حديثه معبرًا عن مأساة الأطباء قائلًا: «أنا سويت معاش مبكر في سن الـ 57، ومعاشي الآن 1450 جنيهًا وكنت أحصل على راتب وصل لـ 4000 جنيه بعد 25 سنة عمل، وكانت النبطشية لمدة 24 ساعة والمستشفى اللي بشتغل فيها مفيهاش حمام وكنت بروح الجامع اللي جنبها.. فلك أن تتخيل الأمر بالنسبة للسيدة الطبيبة»، مشيرًا إلى أن مهنة الطب صعبة في مصر ويجب تحسين ظروف العمل لأنها من أهم المطالب الأساسية للأطباء.

برلمانية: تخريج دفعات استثنائية لن يفيد المهنة.. والحل في زيادة الرواتب وبدل العدوى

أكدت الدكتورة سماح سعد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، في تصريحات خاصة لـ«أهل مصر»، أن العجز في مهنة الطب لا علاقة له بالعدد ولكن في ضعف الإمكانيات والمرتبات وسوء توزيع الأطباء، خاصة أن تخريج دفعات استثنائية من كليات الطب لا ينفع مهنة الطب بشيء، فالأمر ذاته سيحدث دون جديد بسفرهم إلى الخارج للعمل، وهي حلول غير مجدية وغير مواتية لمتطلبات الموقف، كما أن مسألة فتح المستشفيات الحكومية أمام طلبة الكليات الخاصة أمر غريب، فيجب على كل كلية طب أن يكون لها المستشفى الخاص بها لتعليم وتدريب الطلاب في نفس البيئة التي تعمل في إطارها، قائلة «مكونش كلية خاصة واستلف مستشفى حكومي.. هعمل تكدس».

وأضافت أن فائدة كلية الطب تقوم على الجانب العملي مع النظري، كما أن المستشفى الحكومي تخدم وتعالج فئة معينة من المرضى «مش عشان الناس بتتعالج ببلاش هروح أسلفهم لطلبة الكليات الخاصة».

اقرأ أيضًا.. تنطلق خلال أيام.. تفاصيل حملة الكشف المبكر عن سرطان الثدي أول يوليو المقبل

وأردفت «سعد»، أن المشكلة لا تكمن في ندرة تخصصات معينة ولكن المشكلة في أن الممارس العام الذي يتم تخريجه أولًا لتشخيص الحالة الصحية ومن ثم إرسالها للإخصائي وهي أول مرحلة من الكشف الطبي تعاني من عجز شديد، والحل ليس في تخريج دفعات استثنائية لأن قاعدة وأساس المشكلة لم يتم حلها وهي ضعف المرتبات وسوء توزيع الأطباء على مستوى الجمهورية، فهناك أماكن بها أكثر من 60 طبيبًا وأخرى بها طبيب أو اثنين فقط، والحل لهذه المشكلات هو زيادة مرتبات الأطباء مع رفع بدل العدوى وتوفير الإمكانيات وعدم نقل الطبيب لمكان آخر بعيدًا عن محافظته حتى يمكنه معالجة أهله وفي الوقت ذاته يكون في نفس مكانه، فعلى سبيل المثال لا يمكن أن ننقل طبيب شاب من الجيزة إلى جنوب سيناء فهي ليست حلول جذرية ولكن الطبيب يجب أن يكون في نفس بيئته التي تأقلم عليها لتحقيق الرضا الوظيفي.

وأشارت عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إلى أن النواب في انتظار مناقشة قرار الحكومة بتخريج دفعات استثنائية لكليات الطب في لجنة الصحة بمجلس النواب للوقوف على صحة الأمر وتعديل المسار لأن الحل الأساسي لم يتم تنفيذه وإذا تم تخريج دفعات سنواجه نفس المشكلة في سفرهم إلى الخارج أو تقديم استقالتهم من العمل الحكومي.

نقلاً عن العدد الورقي..

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً