اعلان

بعد وفاة 50% ممن تناولوا "الكلوروكين".. تصريحات ترامب "القاتلة" يدفع ثمنها بسطاء أمريكا

ترامب
ترامب

منذ بدء تفشي فيروس كورونا المستجد (كونفيد-19) في الصين أواخر ديسمبر الماضي، ومن ثم انتقاله إلى جميع أنحاء العالم، يخرج بين الحين والآخر من يدعي من الأطباء أو الباحثين في المجال الطبي أو من شركات الأدوية حول العالم، توصلهم أو اكتشافهم لقاحا ربما يعالج الأعراض التي يسببها الفيروس الجديد.

الأمر الملفت للنظر هو رئيس دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الأكثر تضررا من الفيروس التاجي، بأن لقاحا معينا لم يثبت فاعليته علميا ولم يخضع للتجارب السريرية؛ ولم يأت بنتائج إيجابية مع الحالات التي استخدم معها، هو الذي "سيغير قواعد اللعبة" وهو العلاج المحتمل للفيروس المجهول.

ولكن ما حدث هو أن تصريحات دونالد ترامب غير المسؤولة، والتي وصفها بعض الأطباء بـ "الغبية"، والتي قال ترامب نفسه لاحقا إنه أطلقها على سبيل المزاح، كلفت الكثير من مصابي المرض الخبيث ممن استمعوا إلى أحاديث الرئيس الأمريكي أرواحهم، وكذلك كلفت البعض من معارضي تلك الترهات الذين يعملون بالقطاع الصحي في أمريكا وظائفهم وأعمالهم.

واقترح ترامب، في وقت سابق أوائل الشهر الجاري، استخدام دواء هيدروكسي كلوروكين الذي يستخدم كعلاج مضاد للملاريا وليس علاجا للفيروسات التاجية ومنها كورونا، كعلاجا للفيروس المستجد، وروج له بقوة باعتباره "مغيراً محتملاً للعبة"، على حد تعبيره.

ولكن ما حدث مغايرا لذلك تماما؛ حيث فشل العقار المزعوم في تأدية الغرض المأمول؛ ومما يدلل على ذلك ما ذكرته وكالة "أسوشيتيد برس" الأمريكية من أنه بعد تحليل بيانات 368 مريضا تناولوا "هيدروكسي كلوروكين"، رصد الباحثون الأمريكيون وفاة 28% من المرضى الذين تناولوا العقار دون مضاد حيوي (إزيثروميسين)، بينما توفي 22% ممن شمل علاجهم العقار مع المضاد الحيوي، ما يعني وفاة 50% من الذين حصلوا على الدواء، مقابل وفاة 11% ممن حصلوا على الرعاية الروتينية فقط.

ونقلت الوكالة عن الباحثين قولهم، إن "العقار لم يُحدث أي فرق في الحاجة إلى جهاز تنفس، كما أنهم يتوقعون أن يكون الدواء قد سبب أضرارا في أعضاء أخرى".

وقالت المديرة الطبية للسيطرة على العدوى والوقاية منها في جامعة ويسكونسن- ماديسون، نازيا صفدار: "أعتقد أننا محبطون"، مضيفة أن "الكثير من المرضى سألوا عن العقار بعد أن روج له الرئيسي الأمريكي".

وكان أيضا من ضحايا "دواء ترامب" مهندس أمريكي توفي بعد أن تعاطى فوسفات الكلوروكين، ظنًا منه أنه العقار الذي أوصى به ترامب كعلاج للفيروس المستجد.

وحصل جاري لينيوس، وزوجته واندا، وكلاهما في الستينيات من العمر على المادة الكيمائية بعد أن اختلط عليهما أنها "هيدروكسي كلوروكين"، الذي يستخدم لعلاج الملاريا، والذئبة، والتهاب المفاصل الروماتويدي، والذي أبدى ترامب حماسًا تجاه إمكانية استخدامه كعلاج لفيروس كورونا.

وكان الزوج، وهو مهندس ميكانيكي متقاعد، ويعيش مع زوجته في أريزونا بالولايات المتحدة، يحتفظان بفوسفات الكلوروكين في المنزل لاستخدامه كمنظف للأسماك، ظنًا منهما أنه نفسه العقار الذي أوصى به ترامب. لكنه أودى بحياة الزوج في أواخر الشهر الماضي، بينما ترك الزوجة تعاني من حالة حرجة. وقالت واندا لشبكة "NBC" : كنا خائفين من مرضنا. وكنا قلقين للغاية".

وأشارت إلى أنهما كانا يعزلان أنفسهما قبل أن يأخذا ملعقة صغيرة من المادة الكيميائية السامة بالصودا، مضيفة: "لقد رأينا المؤتمر الصحفي لترامب. الذي ظل يقول إنه علاج إلى حد كبير".

وفي إشارة إلى "هيدروكسي كلوروكين"، قالت الزوجة: "استمروا في القول إنه تمت الموافقة عليه لأشياء أخرى"، مضيفة: "كنت في غرفة المؤن ورأيته على الرف الخلفي، وقلت: "إن ذلك ما يتحدثون عنه في التلفاز"، لكن بعدما فقدت زوجها وكادت تلقى حتفها حذرت من خطورة الاستماع لنصائح الرئيس الأمريكي، قائلة: "لا تصدق أي شيء يقوله الرئيس وشعبه، كن حذرًا للغاية. اتصل بطبيبك".

وتم استخدام هيدروكسي كلوروكين على نطاق واسع في محاولة للعلاج من الفيروس. فيما تشير التقارير الأخيرة إلى أن العقار الذي وصفه ترامب بأنه "سيغير قواعد اللعبة" في مكافحة فيروس كورونا، عديم الفائدة، وقد يزيد خطر الوفاة للمرضى في المستشفيات الأمريكية.

إلى ذلك، كشف تحليل لبيانات إدارة صحة المحاربين القدامى في أمريكا أن 28 في المائة من 97 مريضًا تم إعطاؤهم هيدروكسي كلوروكوين توفوا، مقارنة بوفاة 11 في المائة من 158 مريضًا لم يتلقوا الدواء. وبلغ معدل الوفيات 22 في المائة من 113 مريضًا حصلوا على هيدروكسي كلوروكين، بالإضافة إلى المضاد الحيوي "أزيثروميسين".

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل وفقاً لـ"CNBC" سجل في نيجيريا العديد من حالات التسمم بعد تناول عقار "Chloroquine" دون استشارة طبية، بهدف علاج الفيروس.

ولم يتوقف ترامب عند هذا الحد، بل إنه تعدى ذلك بكثير عندما أقدم، في وقت سابق الجمعة الماضية، على القول بأن مواد التطهير إذا ما تم حقن المصابين بها ربما تعالج من الفيروس، وهو ما أثار حفيظة الأطباء وانتقادهم؛ حيث اعتبر الكثيرون منهم تعليقات الرئيس الأمريكي "خطيرة" و"غبية" و"غير مسؤولة".

وبسبب الهجوم الحاد على الرئيس الأمريكي جراء تلك التصريحات، ما كان من ترامب إلا أن تراجع عن مقترحاته بقوله، في وقت لاحق الجمعة: "كنت أطرح سؤالا ساخرا على الصحفيين لمجرد رؤية ما سيحدث".

وبسبب الافتقار إلى دراسات علمية قاطعة بشأن فاعلية هيدروكسي كلوروكين ضد فيروس كورونا، دعا الطبيب الأمريكي، أنتوني فاوتشي، أخصائي الأمراض المعدية، في وقت سابق أوائل الشهر الجاري، إلى توخي الحذر. كذلك يقول الطبيب دانيال ستيرمان، مدير الرعاية الحرجة بجامعة نيويورك، إن الأطباء يستخدمون هيدروكسي كلوروكين، رغم عدم وجود أبحاث بشأن ما إذا كان المرضى يستفيدون منه بالفعل.

وأضاف في تصريح لـ"سكاي نيوز": "لا توجد أدوية معتمدة لفيروس كورونا للأسف، لذلك نحن نبذل قصارى جهدنا من خلال تطبيق أفضل رعاية داعمة للمريض. لكن هناك الكثير مما لا نعرفه عن هذا المرض".

وتابع: "هذا المرض لا يشبه العديد من الأمراض الأخرى التي رأيناها من قبل. وله خصائص إكلينيكية فريدة. لذا لا نعرف أي الأدوية تكون فعالة ضده".

ويختلف ستيرمان أيضا مع تصريحات ترامب التي قال فيها: "إذا كان هيدروكسي كلوروكين جيدًا للملاريا، فهو جيد لفيروس كورونا"، مضيفا: "إن الملاريا كائن حي مختلف تمامًا عن السارس أو فيروس كورونا".

من جانبها، حذرت هيئة سلامة الأغذية والأدوية في أمريكا من مخاطر استخدام كلوروكين وهيدروكسي كلوروكين لعلاج المصابين بكورونا خارج المستشفيات.

الغريب أيضا في هذا الأمر، أنه ورغم تحذيرات الأطباء، والتأكيد على الحاجة إلى مزيد من الأبحاث، حصلت حكومات ولايات وحكومات محلية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، في وقت سابق من 26 أبريل، على 30 مليون جرعة من دواء الملاريا الذي روج له ترامب.

وقامت 21 ولاية في الأقل وواشنطن العاصمة بتأمين شحنات من الدواء "هيدروكسي كلوروكين"، وفقا للمعلومات جمعتها أسوشيتد برس من مسؤولين حكوميين وفيدراليين.

وأنفقت يوتا وأوهايو مئات الآلاف لشراء الدواء، وتلقت باقي المدن والولايات شحنات مجانية من شركات الأدوية والحكومة الأمريكية الشهر الماضي. كما تلقت ولاية أوهايو تبرعا كبيرا من شركة محلية.

وحذرت إدارة الغذاء والدواء أيضا الأطباء من وصف الدواء "هيدروكسي كلوروكين" لعلاج "كوفيد–19" خارج المستشفيات أو أماكن الأبحاث، بسبب تقارير عن آثار جانبية خطيرة، بما في ذلك عدم انتظام ضربات القلب على نحو خطير والوفاة بين المرضى. فإلى متى ستكلف تصريحات المسؤولين غير المسؤولة حياة البشر وأرواحهم.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً