اعلان

رغم ابتعادها عن دائرة الثأر.. الفيوم تعود لمشكلات العائلات وتجدد الظاهرة يعود بالمدينة لـ"بحر الدم"

جرائم الثأر
جرائم الثأر

على الرغم من أن الصراع القبلي وظاهرة الثأر كانت مرتكزة ومنتشرة الأعوام الماضية على مناطق معينة بصعيد مصر، خاصة جنوب الصعيد، كمحافظات قنا وسوهاج وأسيوط، إلا أنه في الآونة الأخيرة والفترة الحالية، امتد الصراع إلى محافظة الفيوم وزاد معدل الجريمة، وأصبحت المحافظة تعاني هي الأخرى من مشكلات الثأر وتعدد أساليب الجريمة وانتشار الدم.

وزادت معدلات الجريمة وجرائم القتل، التي ترجع أسبابها إلى الثأر والصراع العائلي، خلال العامين الحاليين في الفيوم بنسبة كبيرة، ولم يمر شهرًا تقريبًا بدون جريمة قتل تعود لتلك الصراع وكان أخرها مقتل 6 أشخاص وإصابة أكثر من 40 شخصًا، في مشاجرة بين أبناء عائلة واحدة، لتتجدد مسألة الثأر في المحافظة مرة أخرى.

'أهل مصر' ترصد سيطرة الصراع العائلي وجرائم الثأر وظهورها في الفيوم، رغم ابتعاد المحافظة عن دائرة الصعيد الجنوبي ودائرة مشكلات الثأر، وأهم الأسباب التي أدت إلى إقحام الفيوم في دائرة الدم.

غياب دور الكبير ونتائج الميديا السلبية

قال وليد هويدي، عضو مجلس الشيوخ، وأحد كبار العائلات بالفيوم، إن تغيير المجتمعات لا يحدث إلا بتغيير القناعات، وللأسف الشديد لا يزال المجتمع في الصعيد يؤمن إيمانًا راسخًا بضرورة الأخذ بالثأر، وزاد معدل الجريمة ومشكلات العائلات في الفيوم الفترة الحالية، بسبب غياب دور 'الكبير'، واحترام الآخر، وغاب دور 'كبير العائلة'، وأصبح الناس لا يحترمون حتى الجلسات العرفية، وذلك يرجع إلى دور الميديا وما تنتجه الآن من آثار سلبية على مجتمعاتنا، فالطفل الذي تربى على مشاهدة التلفاز وما يقدمه في أخر 15 عامًا من محتوى ردىء مُضر للأسرة، لابد أن يقل لديه الاحترام للكبير وبالتالي تنشأ المشكلات وتزداد الجرائم.

وأوضح هويدي، أنه لابد من عودة دور الأسرة من جديد كما كان في السابق، وأن تكون بدور رقابي قبل التربوي، وتعود دور المجالس العرفية من جديد، ولجنة المصالحات لابد من تشكيلها مرة أخرى، فعاداتنا وتقاليدنا التي ورثناها عن أجدادنا لابد أن نتشبث بها ونحترم بعضنا حتى تزول مشكلاتنا ونعيش في آمان وسلام.

ويرى محمد سيد، رئيس مجلس طامية الأسبق، وأحد كبار العائلات بالفيوم وممن يشاركون في المجالس العرفية، أن الفيوم بلد عائلات وأكثرها قبائل، فعلى سبيل المثال موضوع الحادثة أبشواي كان الخلاف على تقسيم حدود قطعة أرض، وما يزيد من هذه المشكلات وتفاقمها هو عدم احترام الجلسات العرفية وغياب الاحترام للكبير.

جرائم الثأرد. محمد الدولاتي

زيادة تواجد الأسلحة النارية

وقال الدكتور محمد الدولاتي، مستشار التعليم لمحافظة الفيوم السابق، والأستاذ بجامعة المدينة المنورة، إن الفيوم من المحافظات التي يتنوع نسيجها السكاني، فيوجد فيها تكتل للعائلات التي تسكن القرى الكبيرة وأيضًا البدو والذين يسكنون في أطراف المدن وتوابعها، وأيضًا توجد شريحة أخرى تسكن في المدن وهم الذين يمثلون أصحاب المهن الحرة مثل الجزارين وتجار الخضار والفاكهة والغالبية الأخرى من الموظفين.

وتابع الدولاتي: و'لكن نجد الصراع الدائر في القرى بين نفوذ العائلات وقوتها وحبها للسيطرة على القرية ومهنتهم الأساسية هي الفلاحة واستزراع الأرض ولضيق الرقعة الزراعية وطمع البعض في الجور على حدود الآخر من هنا ينشأ النزاع لأن الطرف الثاني يظن أنه إذا لم يقف بقوة أمامه ستضيع أرضه فيحتدم النزاع وتتطور المشكلة ويصبح النزاع بين عائلتين وفي الريف قوة العائلة تنبع من تملكها للأسلحة والبنادق الآلية كما تلعب العنصرية القبلية دورًا هامًا في عملية الثأر'.

وأضاف أنه في الفترة الأخيرة، تقهقر دور العمد ومشايخ البلد في المحافظة، فتعيينهم سابقًا كان بالانتخاب فكان العمدة قويًا وله القدرة على حل النزاع في بدايته لأن الكل يخشاه ويعمل له حساب وكان يعرف جيدًا من لديه أسلحة غير مرخصة ويُبلّغ عنه مركز الشرطة لتتم محاسبته، أما الآن فالعمد يتم تعيينهم حسب الأهواء الشخصية والواسطة تلعب دورًا أساسيًا في اختيارهم .

الحل فى التشجيع على العمل وسيادة القانون

وأوضح أنه من أهم الحلول للحد من ظاهرة الثأر وزيادة معدلات الجريمة، هو تشجيع الريف على القيام بدوره الحقيقي لينشغل شبابه العاطلين في أعمال أخرى تخدم عملية الزراعة من إقامة صناعات يدوية أو إقامة مشاريع صغيرة لتربية الأبقار والعجول والأغنام وتسمينها حتى ينشغل بها وحينها سيبتعد عن كل أسباب الجريمة، وفي المدن لابد من الرقابة الحقيقية لتجار المخدرات وفتوات الحارة وشباب الجزارين فعلى الدولة أن تفتح لهم مشاريع صغيرة وتمولها لهم وتراقبهم بتعيين مشرفين حقيقين تابعين للجهة الممولة، حينها ستعود محافظة الفيوم إلي طبيعتها الريفية الشعب الطيب والأرض الطيبة.

جرائم الثأرعصام الزهري

ظاهرة ثقافية متشابكة دينيًا وموروث قبلي

في سياق متصل، أكد عصام الزهري، القاص والروائي، وأحد من كتبوا عن ظاهرة الثأر وزيادة معدلات الجريمة، أن الثأر ظاهرة ثقافية ذات جذور متشابكة دينية واجتماعية، فدينيًا يتمثل أصحاب الثأر فكرة 'ولي الدم' في التشريع الإسلامي بدلًا من فكرة الجريمة والعقاب في القانون المدني، بمعنى أنه في حالة وقوع جريمة قتل يعتبر أهل المقتول أنفسهم 'أصحاب دم' والقانون الفقهي يعطي لهم حق 'القصاص' ليس بمعنى قتل القاتل وإنما قتل رجل من عشيرته طبقًا للقانون القبلي الذي عبّر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: 'الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى' ما يعني أنه لو قتلت امرأة من عشيرة فقصاصها قتل امرأة أخرى من العشيرة التي قتلتها، والظاهر أنه قانون قبلي ينتمي إلى مرحلة ما قبل المجتمعات والدول الحديثة وما قبل القوانين المدنية وما قبل إقرار مبدأ المسؤولية الفردية وعدالة العقاب.

وأضاف الزهيري، أن السبب الآخر لزيادة المشكلات العائلية والناتج عنها ظاهرة الثأر، هو الجذر الاجتماعي فالثأر ظاهرة قبلية موروثة تعود للمجتمعات ذات التركيب القبلي العشائري لا المجتمع الذي يشكل فيه الفرد نواة ووحدة اجتماعية مستقلة، كمحافظة الفيوم.

تجديد العقل الديني وتطبيق القانون

وأشار إلى أن علاج ظاهرة الثأر مرهون بمواجهة ظاهرتين: التخلف الديني عن طريق تحديث وتجديد العقل الديني الفقهي بثوابته المتحجرة الموروثة، والتخلف الاجتماعي عن طريق تفكيك البنية القبلية لمجتمعات الريف والصعيد عبر التحديث الصناعي والزراعي والتكنولوجي المادي وسيادة القانون والاحتكام إلى مباديء الدستور لا الجلسات العائلية والقواعد العرفية التي تزيد 'الطين بلة' ولا تعالج وإنما تدمر.

غياب دور الأسرة والبعد عن الدين

بينما يرى الدكتور محمود إبراهيم، أستاذ الشريعة بالأزهر الشريف، أن غياب دور الأسرة، والانحطاط الأخلاقي، وزيادة المعصية في الشارع الفيومي أضرت بالمحافظة، وزادت من مشكلاتها الاجتماعية، أبرزهم مشكلات العائلات والجرائم وتجدد ظاهرة الثأر من جديد، وأن غياب الناس عن دينهم وعن أوامر ربهم يبعدهم عن التفكير السليم، ويقربهم من الشر، فالخوف من الله يجعل الإنسان يخاف من المعصية، وأولها جرائم القتل.

وبيّن إبراهيم، أن غياب دور الأسرة وعدم احترام الكبير أيضًا ساهم بشكل كبير في زيادة المشكلات في الشارع الفيومي، فقديمًا كان الكبير ينادَى بـ'عم'، ولا يجرؤ أحد على إهانته أو عدم تقديره، لكن الآن غابت تلك الثوابت واستُبدلت بأشياء غريبة على مجتمعنا الفيومي المسالم، مضيفًا أن رجل العلم والدين غاب دوره أيضًا ولم يكن له دور توعوي على الشباب والنشء والجميع يرفع يده عن مشكلة كبيرة تتكاثر وتهدم في مجتمعنا مع الوقت، مبيّنًا أن الحل لعودة الحياة الآمنة لأهل الفيوم، تكمن في تطبيق القانون بحزم، وتطبيق القصاص الذي فيه حياة للناس، وتنمية الدور التوعوي.

WhatsApp
Telegram