اعلان

رامي علم الدين يكتب.. القاهرة طهران (الماضي والمستقبل)

رامي علم الدين
رامي علم الدين

رحّبت مصر بعودة العلاقات السعودية الإيرانية، وأكدت إنّها تأمل أن يعزّز ذلك الاستقرار في المنطقة والحفاظ على مقدّرات الأمن القومي العربي، لطي صفحة خلاف سياسي على مدار 45 عاما ، خلاف يحمل بعد عقائدي وديني، ايدلوجي لا يمكن تجاهله، اكتشف الطرفين أنه فخ غربي أمريكي، بهدف استنزاف الطرفين العربي الإيراني، لصالح الكيان المحتل، وإنه لا جدوى من الإستمرار في استنزاف الثروات وانهاك الاقتصاد، وانه لابد من السعي قدما نحو المصالحة والتعاون، لا مزيد من الحرب والدمار، والخسائر ، درس أدركته العراق متأخرة بعد 10 أعوام من حربها في طهران، أوصلت العراق وقتها لشفي الإنهيار ومنها الاحتلال الأمريكي مطلع 2001، وسقوط الحكم العربي السني بقيادة صدام حسين، وكتبت بداية جديدة من الصراع العربي الإيراني بإخراج أمريكي غربي، تعاني العراق الآن .

علاقتنا المصرية بإيران قديمة، ترجع إلى ما قبل الثورة الإيرانية، فلقد ارتبطت الأسرة الحاكمة في مصر بعلاقة نسب مع الشاه إيران، تدهورت العلاقة بين مصر وإيران في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، لكنّها توطدت لاحقاً بين شاه إيران والرئيس السادات، كان موقف الشاه في أثناء حرب 1973 موقفاً جيّداً، وما تزال مصر تتذكّره ، ولمّا اندلعت الثورة الإيرانية عام 1979 أبدت مصر قلقها الشديد من سقوط الشاه، ولا سيّما مع صعود نجم آية الله الخميني بديلاً له، لم يتردّد الرئيس السادات لحظة واحدة في الوقوف ضدّ الثورة الإيرانية، ومعاداة الخميني، وربّما العمل على إسقاطه. لكنّ القَدَرَ كان أسرع من الرؤى، ففي عام 1980 توفّي الشاه في مستشفى المعادي العسكري بالقاهرة، وتمّ دفنه في مسجد الرفاعي بجوار ملوك أسرة محمد علي، وفي عام 1981 تمّ اغتيال الرئيس السادات غدرا في حادث المنصة، كأنَّ الخميني كان ينتظر رحيل السادات، إذْ سرعان ما زادت الحملة الإعلامية ضدّه، وتمّ إطلاق اسم خالد الإسلامبولي قاتل السادات على أحد شوارع طهران المحورية ، اتّسعت المسافة أكثر وأكثر نتيجة دعم مصر للعراق في حربها ضدّ إيران، فلقد كانت مصر ولا تزال عونا لاشيقائها العرب، فقد كان مبارك داعماً أساسياً لبغداد وخصماً واضحاً لطهران، وشارك وزير الدفاع المصري المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة بنفسه في بعض الخطط العسكرية للحرب، ولا سيّما في معركة تحرير الفاو، في هذا الإطار قامت مصر بطرد رئيس بعثة رعاية المصالح الإيرانية محمود مهتدي عام 1987، وذلك لقيامه مع آخرين بمراقبة حركة السفن العراقية في قناة السويس.

شهد عقد التسعينيّات محاولات لتحسين العلاقات بين البلدين بعد انتهاء حرب العراق ، ففي عام 1990 كان السفير منير زهران أوّل شخصية رسمية مصرية تزور إيران، حتما كان هناك اتجاه لعودة العلاقات المصرية بعدما انتهت الحرب ، كان هناك دراسة بشكل متبادل عودة العلاقات بين مصر وطهران ، في عام 1992 قال الرئيس مبارك بوضوح: الرئيس "هاشمي رافسنجاني" أرسل لي يطلب رفع مستوى العلاقات مع مصر، لكنّ المشكلة أنّ هناك لغتَيْن في إيران، هذه اللغة ثمّ لغة أخرى نفاجئ بها في اليوم التالي، مرّت عشر سنوات من دون جديد، لا تقدم، وجمود وفتور في العلاقة ، وفي عام 2003 كان أوّل لقاء رئاسي مصري إيراني منذ ربع قرن، التقى فيه مبارك والرئيس محمد خاتمي في أثناء حضورهما قمّة دولية لمجتمع المعلومات.

في صيف 2012 قام محمد مرسي بزيارة طهران، وفي ربيع 2013 زار محمود أحمدي نجاد القاهرة، كانت الزيارتان صدمتَيْن في مصر، فلا أحد يعرف هل تمّت دراسة هذه الخطوات السريعة أم لا، ولا ما الذي تريده إيران من الإخوان، أو يريده الإخوان من إيران، ولا سيّما مع زيارة مريبة قام بها قاسم سليماني للقاهرة، لبحث تأسيس جهاز أمني خاصّ لحماية جماعة الإخوان وتأسيس جناح مسلح على غرار الحرس الثوري الإيراني، قادت ثورة 2013 وسقوط حكم الإخوان إلى إغلاق تلك الصفحة التي كان عنوانها صورة أحمدي نجاد وهو يرفع علامة النصر في القاهرة، في عهد الرئيس عدلي منصور عادت الأمور كما كانت، ولا سيّما بعد الهجوم الإعلامي الإيراني على الثورة المصرية، التشكيك في شرعية الثورة والتي نجحت بمباركة 30 مليون مصري، باتوا ليلتهم في الميادين رافضون حكم الجماعة والإعلان الدستوري المكمل الذي أعلنه مرسي بالمخالفة للدستور، ومؤيدون لسقوط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وقتها، وكان الحدث الأبرز في عهد الرئيس منصور هو اللقاء بين وزير الخارجية المصري نبيل فهمي ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي طلب من فهمي طيّ صفحة الماضي، في أثناء ترشّحه للرئاسة المصرية قال المشير السيسي إنّ "إيران تدرك تماماً أنّ العلاقة مع مصر تمرّ عبر الخليج العربي"،وقد ظلّت هذه الرؤية هي السائدة، ما إنْ أعلنت السعودية وإيران في الصين عودة العلاقات بين البلدين، حتى بدأ ساسة إيرانيون يتحدّثون عن إمكانية عودة وشيكة للعلاقات مع مصر، وعودة الرغبة في فتح قنوات الحوار مرة أخرى نحو استعادة علاقات دبلوماسية طبيعية، رحّبت مصر بعودة العلاقات السعودية الإيرانية 2023 ، تمثّلت الخطوة الأولى في هذا الصدد في إجراء مفاوضات قنصلية بين القاهرة وطهران، وكانت الخطوة الثانية إعلان وزير السياحة المصري تقديم تسهيلات للوفود السياحية الإيرانية للسياحة في مدينة شرم الشيخ،وبدورها ردّت الخارجية الإيرانية بأنّها لا تفرض أيّة قيود على سفر المصريين إلى إيران، وبعد قليل أعلنت شركة الطيران الإيرانية الاستعداد لتسيير رحلة يومية بين القاهرة وطهران، ثمّ كانت الخطوة الثالثة تصريح الخارجية الإيرانية بأنّها تريد توسيع العلاقات مع مصر،

التخطيط أيضا لاستئناف التعاون مع مصر الذي تعطل لنحو 40 عام ، في مجال تبادل الطلبة والتكنولوجيا والخدمات الهندسية والتبادل السياحي وتأسيس الشركات المعرفية والتعاون في مجالي النفط والغاز، العلاقات الوثيقة والمتنامية بين مصر والعراق وسوريا تتيح المزيد من فرص التعاون الإقليمي بين إيران ومصر، تصريحات رئیس المجلس الاستراتیجی للعلاقات الخارجیة في إيران، کمال خرازی، حول أن "مصر وإيران وتركيا والسعودية وقطر، تسطيع عبر الحوار فيما بينها، تسوية الكثير من المشاكل والتوترات الراهنة في المنطقة" لكنّ إرادة القاهرة هي التي يمكنها تسهيل ذلك، وقد جاءت الخطوة الرابعة من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي الذي رحّب باستئناف العلاقات مع مصر بالتوازي مع هذه الخُطى، أعلن برلمانيون إيرانيون أنّ العلاقات مع مصر في طريقها إلى العودة، لكنّ وزير الخارجية سامح شكري تحفظ على ذلك وقال إنّه لا علم له بمفاوضات في هذا الصدد، ربّما لم تكن الخارجية المصرية منخرطة بالفعل في هذه الاتصالات، وربّما كانت الاتصالات على المستوى الأمنيّ لم تكتمل بعد، لكنّ زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق للقاهرة ثمّ طهران قد أكّد متابعون لها أنّ أحد أهدافها الرئيسية هو التمهيد لعودة العلاقات المصرية الإيرانية.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
بث مباشر مباراة بيراميدز وفيوتشر (0-1) بالدوري المصري (لحظة بلحظة) | جوووووول فيوتشر