اعلان

النور مكانه في القلوب.. "عبد الحميد" كفيف يدير مخبز بلدي ويتعامل بمهارة مع ماكينة الصرف بالشرقية (فيديو وصور)

 كفيف يدير مخبز بلدي ويتعامل بمهارة مع ماكينة الصرف بالشرقية
كفيف يدير مخبز بلدي ويتعامل بمهارة مع ماكينة الصرف بالشرقية

'فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور'، هو قول المولى عز وجل، والذي ربما ينطبق على الحالة التي نحن بصددها، وهي لشاب فقد البصر لكنه أبدًا لم يفقد البصيرة، فاعتاد السير وراء النور الذي في قلبه، فَرَض على نفسه مهامًا ومسؤوليات، وصار في طريق الصبر مصممًا على تحقيقها بإرادة حديدية، جاعلًا هدفه الأول الاعتماد على نفسه، ثم مد يد العون لمن استعان به.

فقدَ 'عبد الحميد عبد المالك صالح'، ابن قرية هرية رزنة بمحافظة الشرقية، البصر وهو في السادسة من عمره جراء إصابته بحمى، أجرى 10 عمليات جراحية على أمل الإبصار، لكنها إرادة الله فقط كان يرى الضوء حتى دراسته بالمرحلة الثانوية، بعد وقت استأصل إحدى عينيه، كان محتسبًا وصابرًا على قضاء ربه، واصل بإرادة قوية مراحل تعليمه، فاستطاع اجتياز ليسانس أصول الدين والدعوة بجامعة الأزهر الشريف، كما وحصل على دبلومة المقارنة بين الأديان السماوية والأخرى الوضعية مما دفعه لاستكمال الدراسة في نفس التخصص فهو الآن باحث ودارس ماجيستير بجامعة الأزهر، كما ويعمل إمام وخطيب بالمكافأة في الأوقاف، ويقرأ القرآن بالقراءات السبعة، وحصل على جائزة حفص عن عاصم.

'عبد الحميد' مع أسرته

لم يكتفِ 'عبد الحميد'، بالعمل التقليدي ولم يُرِد أن يشعر بالعجز أو أن يتثاقل الناس به، فقرر خوض تجربة العمل في ميدان لا يستطيع العمل فيه سوى المبصرين، فاقتحم العم في مخبز بلدي ملكًا لوالده خاصة وأنه قد لازم الفراش لأسباب مرضية ثم توفي، فكان لا مفر أمامه سوى تولي أعمال والده، استطاع أن يختبر قدراته ثم توسع في أعماله وأصبح صاحب محل سجاد بذات القرية، وكان يتابع الحسابات بنفسه معتمدًا على التسجيل الصوتي، ويتعامل مع الجمهور دون أية مشكلات، لم يكن عدم الإبصار أزمة له فالتأقلم أسهل الحلول لها والممارسة، لكن الثقة في بعض العاملين معه كانت أولى عثراته، فالبعض يستضعفه فقط لأنه كفيف ويماول على حد قوله سرقته، لكنه كان يتغلب على هذه المشكلة بإغداق الأموال عليهم.

اعتاد 'عبد الحميد'، إعمال عقله منذ نعومة أظافره وكان دائما مميزًا بين أقرانه، ولم يكتفِ بأعماله السابقة بل شارك في شركة سياحة وكان يخلق لها الوقت ليديرها جنبًا إلى جنب أعماله ودراسته بالماجيستير، كما وأنه زوجا ولديه طفلين، حتى أنه محبًا للمغامرات، حيث سافر المملكة السعودية أكثر من 5 مرات وحده للعمرة والعمل، فلم يكن الأمر بغريب فهو اعتاد الخروج وحيدًا والسفر في كل محافظات مصر دون رفيق أو صديق، إلا أنه كان يستصعب السفر في القطار نظرًا للزحام الشديد وخوفًا منه أن يصاب، فكان يفضل السفر في وسائل أيسر منه.

'عبد الحميد' كفيف يدير مخبز بلدي بالشرقية

يقول 'عبد الحميد': 'لم أجد صعوبة في التحصيل خلال سنوات الدراسة بل كنت متفوقا إلا صعوبة واحدة وما زال الطلاب المكفوفين يقابلونها، وهي أزمة المرافق في الامتحانات ليكتب بدلا عني، فكان لابد أن يكون أصغر مني كثيرا ولعدم خبرته كان تحصيل الدرجات ينخفض وتقديراتي كانت منخفضة إلا أنني استطعت اجتياز الليسانس وما زلت اواصل الدراسات العليا، مضيفًا أن كل ما يحزننه فقط هو عدم تقديره أدبيًا رغم تفوقه دراسيًا ولم يحصل على وظيفة، مؤكدًا أنه ليس بحاجة للمال فهو بحمد الله ميسورًا، ولكن كان في حاجة معنوية وأدبية.

ويصف 'عبدالحميد' يومه وكيف يقضيه، فيقول: 'أبدأ يومي بصلاة الفجر ثم أذهب للعمل بالمخبز وأشرف على الصنايعية ومهمتي الأساسية هي التعامل مع الجمهور من خلال صرف نقاط الخبز على ماكينة الصرف الألية معتمدا على الصوت الصادر منها للتمييز عما إذا كانت تعمل أو متوقفة'، متابعًا: 'بعد انتهاء العمل بالمخبز أتناول الغداء في منزلي وأرتاح بضع ساعات، ثم أذهب لمتابعة العمل بمحل السجاد، والثلث الأخير من اليوم أمارس العمل التطوعي في جمعية المكفوفين بالمدينة، هذا بالإضافة لممارستي الأعمال الاجتماعية والجماهيرية بالعمل العام في قريتي لمساعدة الناس، كما وأنني محبا لممارسة الاستشارات الفقهية في قضايا الميراث والطلاق والزواج من خلال جمعية عرفية بالقرية والفض في التنازعات بين الناس، ثم في أخر اليوم أعود لمنزلي ألعب مع أطفالي وأتناول معهم العشاء، وأتابع التليفزيون تارة مشاهدة برامج رياضية ودينية وأخرى أخبار وفن، ولم أنسى منذ طفولتي قضاء كل يوم جمعة مع أصدقائي، هي عادة لم تنتهِ أبدا أحرص عليها دوما'.

'عبد الحميد' كفيف يدير مخبز بلدي بالشرقية

ويُتابع: 'أُحب العمل الخيري ومساعدة الناس لذا شاركت في الجمعيات الأهلية والاجتماعية، كما وأنني أعمل بجد وأتغلب على الصعوبات ولم أشعر يوما أنني غير مُبصِر أو كفيف كما لم أشعر بالعجز أبدا، فالعجز هو عجز الإرادة'، متابعًا: 'دائما أطور من نفسي بإني أسأل كتير وأتعلم أكتر وبهذا أستفيد وأفيد الناس، ولي رسالة دائما أحبها ان تصل للجميع من الناس وخاصة الأسوياء بلا إعاقة منهم، أقول لهم احترموا نعم الله وقدروها حق قدرها، واجتهدوا لأن العمر فرصة حققوا أمنياتكم ولا تتكاسلوا عن السعي'.

ويُشير 'عبد الحميد'، في ختام حديثه إلى أنه سعيدًا باختيار الله له بفقده للبصر، قائلًا: 'لو كنت مبصرا لكنت عاصيا لله، وما كانت إرادتي هذه التي أشحذ بها الغير وأستعين بها على الحياة'.

محررة 'أهل مصر' مع المواطن الكفيف 'عبد الحميد'

كفيف يدير مخبز بلدي بالشرقية

المواطن الكفيف 'عبد الحميد'

'عبد الحميد' كفيف يدير مخبز بلدي بالشرقية

'عبد الحميد' كفيف يدير مخبز بلدي

كفيف يدير مخبز بلدي بالشرقية

'عبد الحميد' كفيف يدير مخبز بلدي

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً