اعلان

كورونا.. نقطة تحول في التاريخ الإنساني

محمد أبو العيون
محمد أبو العيون

قلوب المليارات في مختلف دول العالم، متعلقة بأيادي الأطباء في معسكرات الحجر الصحي، وعقول العلماء في المعامل البحثية، الجميع يُمني النفس أن يزف إلينا هؤلاء النوابغ بشرى التوصل إلى مصل مضاد يمكننا من مواجهة فيروس كورونا المستجد.
اليوم نحن في حاجة ماسة إلى الإنصات لـ«صوت العلم»، والاصغاء لنصائح الأطباء، والالتزام التام بتنفيذ تعليماتهم، نحتاج اليوم - وبشدة - إلى أن نكون جنودًا مخلصين ومطيعين وملتزمين في جيش يقوده العلماء. الالتزام - وحده - متبوعًا بالوعي العلمي هو سبيلنا لهزيمة كورونا، وسلاحنا للقضاء نهائيًا على هذا الوباء العالمي.

لقد ظهر فيروس كورونا ليُعيد للعلم والعلماء مكانتهم التي يستحقونها، ومن فوائد تفشي هذا الوباء هو عودة تصدر العلماء الحقيقين للمشهد، والقضاء إلى الأبد على خزعبلات الطب النبوي، والتداوي ببول البعير، وحبة البركة… إلخ هذه البضاعة التالفة التي نسبها تجار الدين زورًا وبهتانًا إلى الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ظهر فيروس كورونا، ليعيد الوعى الجمعي إلى العقول المغيبة، ويكشف للجميع الحقيقة التي حاول تجار الدين طمسها وإخفائها قرونًا طوال، وهي أن الإسلام لا يعرف من قريب أو بعيد ما يُسمى بـ«الطب النبوي»، وليس في تعاليمه ما يدعو أتباعه إلى الركون للخزعبلات والخرافات، بل إنه فرض عليهم البحث عن الأطباء والتداوي على أيديهم؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يأمر أصحابه حين يمرضوا بالذهاب إلى طبيب العرب، الحارث بن كَلَدَة الثقفي.

والحارث بن كَلَدَة، وثني الديانة، عاش يعبد الأصنام ومات على وثنيته، واختلاف المعتقد لم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من توجيه الصحابة إليه، ليستفيدوا من علمه وبراعته في الطب؛ فقد ذكر علي بن يوسف القفطي، في كتابه «إخبار العلماء بأخبار الحكماء»: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر من كَانَتْ بِهِ علة أن يأتيه (أي الحارث) فيسأله عن علته.

وروى ابن الأثير، وهو يترجم للحارث بن كَلَدَة، في مؤلفه «أسد الغابة في معرفة الصحابة»: أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر سعد بْن أَبِي وقاص أن يأتيه (أي الحارث)، ويستوصفه في مرض نزل به.

وفي هذه الروايات - وغيرها كثير - ما يدحض أكاذيب وافتراءات تجار الدين؛ فلو كان هناك ما يُسمى بـ«الطب النبوي»، ولو كان «بول البعير - كما زعم أحد الجهلاء - وسيلة من وسائل الطب قديمًا في البادية»، لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم صحابته إلى الحارث بن كَلَدَة، للتداوى على يديه، والتطبب عنده، وهو التوجيه الذي يؤكد أن الإسلام يحترم التخصص، ويُعلي من قيمة العلم والعلماء دون النظر إلى معتقداتهم أو جنسياتهم، ولا يعترف بالخرافات والخزعبلات.

والتوجيه النبوي - المشار إليه - يؤكد أيضًا أن قرون الجهل والظلام التي عاشها المسلمون منبعها تجار الدين وليس الدين نفسه؛ فهؤلاء من أجل ترويج بضاعتهم الفاسدة غيبوا العقل الجمعي قرونًا طوال، وأوهموا الناس بأن العلم يأتي في مرتبة متدنية، وطمسوا وأخفوا حيال هذا وجه الإسلام الحقيقي.

وتحضرني هنا قراءة جديدة للأزمة التي نحياها اليوم، وهي رؤية ماتعة ودقيقة يُهديها إلينا الطبيب والمفكر الكبير الدكتور بهي الدين مرسي، يقول فيها: «إن كورونا ستصبح نقطة تحول في التاريخ الإنساني، وستطرح معنى جديدًا لمفهوم الأديان والغيب والمرويات، وستلزم البشر بلغة العلم، ولن يكون على الكوكب مكانًا للجمود الفكري ولا للمتحصنين بالخزعبلات، ولن يتبقى في الأفق علامات استفهام يتاجر بأجوبتها المضللون وتجار الدين».

ويؤكد الدكتور بهي، أن مفاهيم الثراء والغنى ستتغير، وكذلك مفاهيم القوة، ولن يكون مقياس الثروة بالدولار أو اليورو، ولن تكون القوة في التسليح، بل ستصبح اللغة الجديدة هي: هل تفهم بيولوجيا الحياة وقوانين الطبيعة؟ فإن لم تفهمها فلن تسمح لك بمزيد من البقاء ولن تأويك مجددًا في أحضانها.

وتنبع هذه القراءة الجديدة للأزمة - وفقًا للمفكر الكبير - من منطلق أن «الطبيعة ضجت بعبث الإنسان، والاحتباس الحراري، والتلوث البلاستيكي، والجهل بقوانينها، وتهتك الأوزون، وأصبح من حقها أن تدافع عن نفسها».

أما فيما يتعلق بأتباع الديانات المختلفة؛ فإن الدكتور بهي يشير إلى أن ما تؤتيه كورونا، هو تمامًا ما تريده الأديان من الإنسان؛ فالأديان تريد من أتباعها أن يحترموا سنوات بقائهم على المعمورة وأن يتعاملوا بلغة العلم مع خالقهم.

ويقيني أن هذه الرؤية والقراءة الجديدة التي طرحها مفكرنا الكبير، هي الأقرب إلى التحقق في مستقبلنا القريب بعد انتهاء أزمة كورونا، التي ستصبح بحق نقطة تحول في التاريخ الإنساني، كما أن من أهم إيجابيات هذا التحول المأمول هو عودة تصدر العلماء للمشهد، وتنقية الأديان جميعها من الشوائب والأكاذيب والخرافات التي علقت بها، وانزواء تجار الدين في ركن بعيد يتباكون فيه على كساد بضاعتهم الفاسدة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً